تفسير القرطبي (صفحة 4881)

قُلْتُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نِكَاحِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ مِنْ زِنًى أَوْ أُخْتَهُ أَوْ بِنْتَ ابْنِهِ مِنْ زِنًى، فَحَرَّمَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" النِّسَاءِ" (?) مُجَوَّدًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: النَّسَبُ الَّذِي لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ، وَقَالَهُ الزَّجَّاجُ: وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَاشْتِقَاقُ الصِّهْرِ مِنْ صَهَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا خَلَطْتُهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّهْرَيْنِ قَدْ خَالَطَ صَاحِبَهُ، فَسُمِّيَتِ الْمَنَاكِحُ صِهْرًا لِاخْتِلَاطِ النَّاسِ بِهَا. وَقِيلَ: الصِّهْرُ قَرَابَةُ النِّكَاحِ، فَقَرَابَةُ الزَّوْجَةِ هُمُ الْأَخْتَانُ، وَقَرَابَةُ الزَّوْجِ هُمُ الْأَحْمَاءُ. وَالْأَصْهَارُ يَقَعُ عَامًّا لِذَلِكَ كُلِّهُ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْأَخْتَانُ أبو المرأة وأخوهما وَعَمُّهَا- كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ- وَالصِّهْرُ زَوْجُ ابْنَةِ الرَّجُلِ وَأَخُوهُ وَأَبُوهُ وَعَمُّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيِّ: أَخْتَانُ الرَّجُلِ أَزْوَاجُ بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ وَخَالَاتِهِ، وَكُلِّ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٌ مِنْ زَوْجَتِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْأَوْلَى فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي الْأَصْهَارِ مَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِهِمَا جَمِيعًا. يُقَالُ صَهَرْتُ الشَّيْءَ أَيْ خَلَطْتُهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ خَلَطَ صَاحِبَهُ. وَالْأَوْلَى فِي الْأَخْتَانِ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِجِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا الحديث المرفوع، روى محمد ابن إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَخَتْنِي وَأَبُو وَلَدِي وَأَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ". فَهَذَا عَلَى أَنَّ زَوْجَ الْبِنْتِ خَتْنٌ. وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى أَنَّ اشْتِقَاقَ الْخَتْنِ مِنْ خَتَنَهُ إِذَا قَطَعَهُ، وَكَأَنَ الزَّوْجَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْ أَهْلِهِ، وَقَطَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ أَهْلِهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الصِّهْرُ قَرَابَةُ الرَّضَاعِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَلِكَ عِنْدِي وَهْمٌ أَوْجَبَهُ أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ، وَمِنَ الصِّهْرِ خَمْسٌ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ، يُرِيدُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ فَهَذَا هُوَ النَّسَبُ. ثُمَّ يُرِيدُ بِالصِّهْرِ قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ" إِلَى قَوْلِهِ:" وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ". ثُمَّ ذَكَرَ الْمُحْصَنَاتِ. وَمَحْمَلُ هَذَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَادَ حَرُمَ مِنَ الصِّهْرِ ما ذكر معه، فقد أشار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015