تفسير القرطبي (صفحة 4872)

أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ (?) وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ الْمَاءَ طهور لا ينجسه شي" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ كُلُّهُمْ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ جَوَّدَ أَبُو أُسَامَةَ. هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ أَحْسَنَ مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَةَ. فَهَذَا الحديث نص فِي وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَقَدْ حَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَهَارَتِهِ وَطَهُورِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا، قُلْتُ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِيهَا؟ قَالَ: إِلَى الْعَانَةِ. قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ؟ قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدَّرْتُ بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَرَعْتُهُ فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ: هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ لَا. وَرَأَيْتُ فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ. فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا لَنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ: إِنَّهَا فِي وَسَطِ السَّبْخَةِ، فَمَاؤُهَا يَكُونُ مُتَغَيِّرًا مِنْ قَرَارِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَغَسْلُ النَّجَاسَاتِ هُوَ الْمَاءُ الْقَرَاحُ الصَّافِي مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ، وَمَا عَرَفَهُ النَّاسُ ماء مطلقا غير مضاف إلى شي خَالَطَهُ كَمَا خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَافِيًا وَلَا يَضُرُّهُ لَوْنُ أَرْضِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. وَخَالَفَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ. أَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَجَازَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ فِي السَّفَرِ، وَجَوَّزَ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ. فأما بِالدُّهْنِ وَالْمَرَقِ فَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِزَالَتُهَا بِهِ. إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ يَقُولُونَ: إِذَا زالت النجاسة به جاز. وكذلك عند النَّارُ وَالشَّمْسُ، حَتَّى إِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ إِذَا جَفَّ فِي الشَّمْسِ طَهُرَ مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ. وَكَذَلِكَ النَّجَاسَةُ عَلَى الْأَرْضِ إِذَا جَفَّتْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، بِحَيْثُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ التُّرَابِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمَّا وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَاءَ بِأَنَّهُ طَهُورٌ وَامْتَنَّ بِإِنْزَالِهِ مِنَ السَّمَاءِ لِيُطَهِّرَنَا بِهِ دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قال عليه الصلاة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015