ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَأَحْسَنُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَدْ جَاءَ بِهِ التَّفْسِيرُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن عُثْمَانَ الشَّيْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (?) " قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ، فَنَجَّمَهُ السَّفَرَةُ الْكِرَامُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ" فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (?) " يَعْنِي نُجُومَ الْقُرْآنِ" وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ" يَا مُحَمَّدُ. (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) يَقُولُ: ورسلناه ترسيلا، يقول: شيئا بعد شي. (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) يَقُولُ: لَوْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ سَأَلُوكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ مَا تُجِيبُ بِهِ، وَلَكِنْ نُمْسِكُ عَلَيْكَ فَإِذَا سَأَلُوكَ أَجَبْتَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ النبوة، لأنهم لا يسألون عن شي إِلَّا أُجِيبُوا عَنْهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ نَبِيٍّ، فَكَانَ ذَلِكَ تَثْبِيتًا لِفُؤَادِهِ وَأَفْئِدَتِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا" وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً" وَلَوْ نُزِّلَ جُمْلَةً بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَرَائِضِ لَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَعَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي إِنْزَالِهِ مُتَفَرِّقًا، لِأَنَّهُمْ يُنَبَّهُونَ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَلَوْ نُزِّلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَزَالَ مَعْنَى التَّنْبِيهِ وَفِيهِ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، فَكَانُوا يَتَعَبَّدُونَ بِالشَّيْءِ إِلَى وَقْتٍ بِعَيْنِهِ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الصَّلَاحَ، ثُمَّ يَنْزِلُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَنْزِلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً: افْعَلُوا كَذَا وَلَا تَفْعَلُوا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ التَّمَامُ" جُمْلَةً واحِدَةً" لِأَنَّهُ إِذَا وُقِفَ عَلَى" كَذلِكَ" صَارَ الْمَعْنَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. قَالَ الضَّحَّاكُ:" وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً" أَيْ تَفْصِيلًا. وَالْمَعْنَى: أَحْسَنُ مِنْ مَثَلِهِمْ تَفْصِيلًا، فَحُذِفَ لِعِلْمِ السَّامِعِ. وَقِيلَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْتَمِدُّونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَى أهل الكتاب التحريف