تفسير القرطبي (صفحة 4842)

وقال آخر: حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا حِجْرٌ حَرَامٌ أَلَا تِلْكَ الدَّهَارِيسُ «1» وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ:" وَيَقُولُونَ حِجْراً" وَقْفٌ مِنْ قَوْلِ الْمُجْرِمِينَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" مَحْجُوراً" عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَاذُوا أَوْ يُجَارُوا، فَحَجَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ" حُجْرًا" بِضَمِّ الْحَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى كَسْرِهَا. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ قَالُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، قَالَهُ قَتَادَةُ فِيمَا ذَكَرَ الماوردي. وقيل: هو من قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمَلَائِكَةِ. وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتِعَاذَةٍ وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ من يخافه قال: حجزا مَحْجُورًا، أَيْ حَرَامًا عَلَيْكَ التَّعَرُّضُ لِي. وَانْتِصَابُهُ عَلَى مَعْنَى: حَجَرْتُ عَلَيْكَ، أَوْ حَجَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ، كَمَا تَقُولُ: سَقْيًا وَرَعْيًا. أَيْ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ إِذَا رَأَوُا الْمَلَائِكَةَ يُلْقُونَهُمْ فِي النَّارِ قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكُمْ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَحَكَى معناه المهدى عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ:" حِجْراً" مِنْ قَوْلِ الْمُجْرِمِينَ." مَحْجُوراً" مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، أَيْ قَالُوا لِلْمَلَائِكَةِ نعوذ بالله منكم أن تتعرضوا لنا. فنقول الْمَلَائِكَةُ:" مَحْجُوراً" أَنْ تُعَاذُوا مِنْ شَرِّ هَذَا اليوم، قاله الحسن.

[سورة الفرقان (25): الآيات 23 الى 24]

وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ قَصَدْنَا فِي ذَلِكَ إلى ما كان يعمله المجرمين مِنْ عَمَلِ بِرٍّ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ. يُقَالُ: قَدِمَ فُلَانٌ إِلَى أَمْرِ كَذَا أَيْ قَصَدَهُ، وَقَالَ مجاهد:" قَدِمْنا" أَيْ عَمَدْنَا. وَقَالَ الرَّاجِزُ:

وَقَدِمَ الْخَوَارِجُ الضُّلَّالُ ... ألى عباد ربهم فقالوا

إن دمائكم لنا حلال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015