تفسير القرطبي (صفحة 4802)

الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) أَيِ الَّذِينَ لَمْ يَحْتَلِمُوا مِنْ أَحْرَارِكُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانَ (?) يَقُولُ: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَنَّ الْآيَةَ فِي الْإِمَاءِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ اللَّامِ، وَسَكَّنَهَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ لِثِقَلِ الضَّمَّةِ، وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَسْتَحْسِنُهَا. وَ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ" نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا، إِنَّمَا أُمِرُوا بِالِاسْتِئْذَانِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ، وَالظَّرْفِيَّةُ فِي" ثَلاثَ" بَيِّنَةٌ: مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن صَلَاةِ الْعِشَاءِ. وَقَدْ مَضَى مَعْنَاهُ. وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَأْذَنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ. (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) قَرَأَ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ" ثَلاثُ عَوْراتٍ" بِرَفْعِ" ثَلاثَ". وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ" ثَلَاثَ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ". قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: النَّصْبُ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الرَّفْعُ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الرَّفْعَ لِأَنَّ الْمَعْنَى: هَذِهِ الْخِصَالُ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ. وَالرَّفْعُ عِنْدَ الْكِسَائِيِّ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ عِنْدَهُ مَا بَعْدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِالْعَائِدِ، وَقَالَ نَصًّا بِالِابْتِدَاءِ. قَالَ: وَالْعَوْرَاتُ السَّاعَاتُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْعَوْرَةُ، إِلَّا أَنَّهُ قَرَأَ بِالنَّصْبِ، وَالنَّصْبُ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَى قَوْلِهِ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ"، وَلِهَذَا اسْتَبْعَدَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لِيَسْتَأْذِنْكُمْ أَوْقَاتَ ثَلَاثِ عَوْرَاتٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ. وَ" عَوْراتٍ" جَمْعُ عَوْرَةٍ، وَبَابُهُ فِي الصحيح أن يجئ عَلَى فَعَلَاتٍ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) كَجَفْنَةٍ وَجَفَنَاتٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَسَكَّنُوا الْعَيْنَ فِي الْمُعْتَلِّ كَبَيْضَةٍ وَبَيْضَاتٍ؟ لِأَنَّ فَتْحَهُ دَاعٍ إِلَى اعْتِلَالِهِ فَلَمْ يُفْتَحْ لِذَلِكَ، فَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَبُو بَيَضَاتٍ رَائِحٌ متأوب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح (?)

[فشاذ].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015