يَقُولُونَ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. فَالْقَوْلُ نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ، وَاسْمُهَا فِي قَوْلِهِ:" أَنْ يَقُولُوا" نَحْوَ:" وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا «1» ذُنُوبَنا" [آل عمران: 147]. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا" «2». [مريم: 29]. وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ" لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ" غَيْرُ مُسَمًّى الْفَاعِلُ. عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ" إِنَّمَا كَانَ قول" بالرفع.
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمر به حكم. (وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ) قَرَأَ حَفْصٌ:" وَيَتَّقْهِ" بِإِسْكَانِ الْقَافِ عَلَى نِيَّةِ الْجَزْمِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَنْ يَتَّقْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَهُ ... وَرِزْقُ اللَّهِ مُؤْتَابٌ وَغَادِي
وَكَسَرَهَا الْبَاقُونَ، لِأَنَّ جَزْمَهُ بِحَذْفِ آخِرِهِ. وَأَسْكَنَ الْهَاءَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ. وَاخْتَلَسَ الْكَسْرَةَ يَعْقُوبُ وَقَالُونُ عَنْ نَافِعٍ وَالْبُسْتِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ. وَأَشْبَعَ كَسْرَةَ الْهَاءِ الْبَاقُونَ. (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) ذَكَرَ أَسْلَمُ أَنَّ عُمَرَ [رضى الله عنه «3»] بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ دَهَاقِينِ الرُّومِ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا شَأْنُكَ «4»؟ قَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ. قَالَ: هَلْ لِهَذَا سَبَبٌ! قَالَ: نَعَمْ! إِنِّي قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ وَالزَّبُورَ وَالْإِنْجِيلَ وَكَثِيرًا مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، فَسَمِعْتُ أَسِيرًا يَقْرَأُ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ جَمَعَ فِيهَا كُلَّ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَأَسْلَمْتُ: قَالَ: مَا هَذِهِ الْآيَةُ؟ قَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ" فِي الْفَرَائِضِ" وَرَسُولَهُ" فِي السُّنَنِ" وَيَخْشَ اللَّهَ" فِيمَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ" وَيَتَّقْهِ" فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ:" فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ" وَالْفَائِزُ مَنْ نَجَا مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُوتِيتُ جوامع الكلم).