فَقَالَ: إِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِرَادَةَ التَّحَصُّنِ مِنَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُ الْإِكْرَاهَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ هِيَ رَاغِبَةً فِي الزنى لَمْ يُتَصَوَّرْ إِكْرَاهٌ، فَحَصَّلُوهُ. وَذَهَبَ هَذَا النَّظَرُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ:" إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً" رَاجِعٌ إِلَى الْأَيَامَى، قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الشَّرْطُ في قول:" إِنْ أَرَدْنَ" مُلْغًى، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَضْعُفُ والله الموفق. أَيِ الشَّيْءَ الَّذِي تَكْسِبُهُ الْأَمَةُ بِفَرْجِهَا وَالْوَلَدُ يُسْتَرَقُّ فَيُبَاعُ. وَقِيلَ: كَانَ الزَّانِي يَفْتَدِي وَلَدَهُ مِنَ الْمَزْنِيِّ بِهَا بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ يَدْفَعُهَا إلى سيدها." وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ" أَيْ يَقْهَرْهُنَّ." فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ" لَهُنَّ" رَحِيمٌ" بِهِنَّ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ جُبَيْرٍ" لَهُنَّ غَفُورٌ" بِزِيَادَةِ لَهُنَّ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الإكراه في [النحل «1»] والحمد لله. عَدَّدَ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِعَمَهُ فِيمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْآيَاتِ الْمُنِيرَاتِ «2» وَفِيهَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ أَمْثَالِ الْمَاضِينَ مِنَ الْأُمَمِ لِيَقَعَ التَّحَفُّظُ مما وقع أولئك فيه.
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)