وَرَأَى لَفْظَةَ" الْمَتَاعِ" مَتَاعَ الْبَيْتِ، الَّذِي هُوَ الْبُسُطُ وَالثِّيَابُ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَالْأَحَادِيثَ، التَّقْدِيرُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا، فَإِنْ أُذِنَ لَكُمْ فَادْخُلُوا وَإِلَّا فَارْجِعُوا، كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ سَعْدٍ، وَأَبُو مُوسَى مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا يَأْذَنُ لَكُمْ فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى تَجِدُوا إِذْنًا. وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري [كله (?)] هَذِهِ الْآيَةَ فَمَا أَدْرَكْتُهَا أَنْ أَسْتَأْذِنَ عَلَى بَعْضِ إِخْوَانِي فَيَقُولَ لِي ارْجِعْ فَأَرْجِعُ وَأَنَا مُغْتَبِطٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" هُوَ أَزْكى لَكُمْ". الثَّانِيَةُ- سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَوْ مَفْتُوحًا، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَغْلَقَهُ بِالتَّحْرِيمِ لِلدُّخُولِ حَتَّى يَفْتَحَهُ الْإِذْنُ مِنْ رَبِّهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْبَابَ وَيُحَاوِلَ الْإِذْنَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى الْبَيْتِ لَا فِي إِقْبَالِهِ وَلَا فِي انْقِلَابِهِ. فَقَدْ رَوَى عُلَمَاؤُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ مَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنْ قَاعَةِ بَيْتٍ فَقَدْ فَسَقَ.) وَرُوِيَ الصَّحِيحِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى (?) يُرَجِّلُ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ). وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتَهُ (?) بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ). الثَّالِثَةُ- إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِذْنَ شرط في دخوله الْمَنْزِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ»
مِنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَقَدْ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ دُونَ الْبُلُوغِ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ مَعَ أَبْنَائِهِمْ وَغِلْمَانِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي آخِرِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) تَوَعُّدٌ لِأَهْلِ التَّجَسُّسِ عَلَى الْبُيُوتِ وَطَلَبِ الدُّخُولِ عَلَى غَفْلَةٍ لِلْمَعَاصِي وَالنَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، ولغيرهم ممن يقع في محظور.