الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ عَلَى إِضَافَةِ الْأَرْبَعَةِ إِلَى الشُّهَدَاءِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ (?) بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَأَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ" بِأَرْبَعَةٍ" (بِالتَّنْوِينِ) " شُهَدَاءَ". وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: يَكُونُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى النَّعْتِ لِأَرْبَعَةٍ، أَوْ بَدَلًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ نَكِرَةٍ أَوْ تَمْيِيزًا، وَفِي الْحَالِ وَالتَّمْيِيزِ نَظَرٌ، إِذِ الْحَالُ مِنْ نَكِرَةٍ، وَالتَّمْيِيزُ مَجْمُوعٌ. وَسِيبَوَيْهِ يَرَى أَنَّهُ تَنْوِينُ الْعَدَدِ، وَتَرْكُ إِضَافَتِهِ إِنَّمَا يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ. وقد حسن أبو الفتح عثمان ابن جِنِّي هَذِهِ الْقِرَاءَةَ وَحَبَّبَ (?) عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" شُهَداءَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، بِمَعْنَى ثُمَّ لَمْ يُحْضِرُوا أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ. التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ- حُكْمُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُعَايَنَةٍ يَرَوْنَ ذَلِكَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي" النِّسَاءِ" (?) فِي نَصِّ الْحَدِيثِ. وَأَنْ تَكُونَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ، عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ. وَإِنِ اضْطَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جُلِدَ الثَّلَاثَةُ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ فِي أَمْرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بالزنى أَبُو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ نَافِعٌ، وَقَالَ الزَّهْرَاوِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَزِيَادٌ أَخُوهُمَا لِأُمٍّ وَهُوَ مُسْتَلْحَقُ مُعَاوِيَةَ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِيُّ، فَلَمَّا جَاءُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَوَقَّفَ زِيَادٌ وَلَمْ يُؤَدِّهَا، جَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ. الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاجْلِدُوهُمْ) الْجَلْدُ الضَّرْبُ. والمجالدة والمضاربة فِي الْجُلُودِ أَوْ بِالْجُلُودِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ الْجَلْدُ لَغِيَرِ ذَلِكَ مِنْ سَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ:
أُجَالِدُهُمْ يَوْمَ الْحَدِيقَةِ حَاسِرًا ... كَأَنَّ يَدِي بِالسَّيْفِ مِحْرَاقُ لَاعِبِ
(ثَمانِينَ) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ. (جَلْدَةً) تَمْيِيزٌ. (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) هَذَا يَقْتَضِي مُدَّةَ أَعْمَارِهِمْ، ثُمَّ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ، أَيْ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل. الحادية والعشرين- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) 160 فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى الْبَدَلِ. الْمَعْنَى وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا مِنْ بَعْدِ الْقَذْفِ (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). فتضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف: