تفسير القرطبي (صفحة 4612)

بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَمْدُودٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَيْلَةَ (?). وَاخْتُلِفَ فِي سَيْنَاءَ، فَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ الْحَسَنُ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يُنَوَّنَ الطُّورُ عَلَى النَّعْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ مُبَارَكٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ فِرْقَةٍ: مَعْنَاهُ شَجَرٌ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُنَوِّنُوا الطُّورَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ اسْمُ الْجَبَلِ، كَمَا تَقُولُ جَبَلُ أُحُدٍ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: سَيْنَاءُ حَجَرٌ بِعَيْنِهِ أُضِيفَ الْجَبَلُ إِلَيْهِ لِوُجُودِهِ عِنْدَهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كُلُّ جَبَلٍ يَحْمِلُ الثِّمَارَ فَهُوَ سَيْنَاءُ، أَيْ حَسَنٌ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى وَزْنِ فَعْلَاءَ، وَفَعْلَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، يُمْنَعُ مِنَ الصَّرْفِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ، لِأَنَّ فِي آخِرِهَا أَلِفَ التَّأْنِيثِ، وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ مُلَازِمَةٌ لِمَا هِيَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلَاءُ، وَلَكِنْ مَنْ قَرَأَ سِينَاءَ بِكَسْرِ السين جعله فعلا لا، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ كَهَمْزَةِ حِرْبَاءَ، وَلَمْ يُصْرَفْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ جُعِلَ اسْمَ بُقْعَةٍ. وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) 20 قَرَأَ الْجُمْهُورُ" تَنْبُتُ" بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: تَنْبُتُ وَمَعَهَا الدُّهْنُ، كَمَا تَقُولُ: خَرَجَ زَيْدٌ بِسِلَاحِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وأبو عمرو بضمء التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: التَّقْدِيرُ تُنْبِتُ جَنَاهَا وَمَعَهُ الدُّهْنُ، فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ. وَقِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ، مِثْلُ:" وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (?) " [البقرة: 195] وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجِ

وَقَالَ آخَرُ:

هُنَّ الْحَرَائِرُ لَا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ (?) ... سُودُ الْمَحَاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بالسور

ونحو هذا قال أَبُو عَلِيٍّ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: نَبَتَ وَأَنْبَتَ بِمَعْنًى، فَيَكُونُ الْمَعْنَى كَمَا مَضَى فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

حَتَّى إِذَا أَنْبَتَ الْبَقْلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015