تفسير القرطبي (صفحة 4608)

فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عنه أعجز «1» كم أَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ مَا أَتَى هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ تَجْتَمِعْ شُئُونُ رَأْسِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. فَأَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ" خُلِقَ ابْنُ آدَمَ مِنْ سَبْعٍ" بِهَذِهِ الْآيَةِ «2»، وَبِقَوْلِهِ:" وَجُعِلَ رِزْقُهُ فِي سَبْعٍ" قَوْلُهُ:" فَأَنْبَتْنَا فِيهَا «3» حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا. وحدائق غلبا. وفاكهة وأبا" [عبس: 31 - 27] الْآيَةَ. السَّبْعُ مِنْهَا لِابْنِ آدَمَ، وَالْأَبُّ لِلْأَنْعَامِ. وَالْقَضْبُ يَأْكُلُهُ ابْنُ آدَمَ وَيَسْمَنُ مِنْهُ النِّسَاءُ، هَذَا قَوْلٌ. وَقِيلَ: الْقَضْبُ الْبُقُولُ لِأَنَّهَا تُقْضَبُ، فَهِيَ رِزْقُ ابْنِ آدَمَ. وَقِيلَ: الْقَضْبُ وَالْأَبُّ لِلْأَنْعَامِ، وَالسِّتُّ الْبَاقِيَةُ لِابْنِ آدَمَ، وَالسَّابِعَةُ هِيَ لِلْأَنْعَامِ، إِذْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِ رِزْقِ ابْنِ آدم.

[سورة المؤمنون (23): الآيات 15 الى 16]

ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (16)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) أَيْ بَعْدَ الْخَلْقِ وَالْحَيَاةِ. النحاس: وَيُقَالُ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَمَائِتُونَ. ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ).

[سورة المؤمنون (23): آية 17]

وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (17)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ سبع سموات. وَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ يُقَالُ: طَارَقْتُ الشَّيْءَ، أَيْ جعلت بعضه فوق بعض، فقيل للسموات طَرَائِقُ لِأَنَّ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كل شي فوق شي طَرِيقَةً. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا طَرَائِقُ الْمَلَائِكَةِ. (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) قال بعض العلماء: أي عَنْ خَلْقِ السَّمَاءِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: أَيْ عَنِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ عَلَيْهِمْ فَتُهْلِكَهُمْ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى" وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ" أَيْ فِي الْقِيَامِ بمصالحهم وحفظهم «4»، وَهُوَ مَعْنَى الْحَيُّ الْقَيُّومُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ «5».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015