حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الصُّورَةَ صَنَمٌ لَا رُوحَ لَهُ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَضَلَّهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَتَمَثَّلُ بِالْخَلْقِ، وَأَنَّ الْمَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لِلَّهِ، وَوَعَظَهُمْ وَنَصَحَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ سَطْوَةَ رَبِّهِمْ وَنِقْمَتَهُ، فَآذَوْهُ وَعَادَوْهُ وَهُوَ يَتَعَهَّدُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَلَا يُغِبُّهُمْ بِالنَّصِيحَةِ، حَتَّى قَتَلُوهُ فِي السُّوقِ وَطَرَحُوهُ فِي بِئْرٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَصَابَتْهُمُ النِّقْمَةُ، فَبَاتُوا شِبَاعًا رِوَاءً مِنَ الْمَاءِ وَأَصْبَحُوا وَالْبِئْرُ قَدْ غَارَ مَاؤُهَا وَتَعَطَّلَ رِشَاؤُهَا، فَصَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَضَجَّ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ، وَضَجَّتِ الْبَهَائِمُ عَطَشًا، حَتَّى عَمَّهُمُ الْمَوْتُ وَشَمَلَهُمُ الْهَلَاكُ، وَخَلَفَتْهُمْ فِي أَرْضِهِمُ السِّبَاعُ، وَفِي مَنَازِلِهِمُ الثَّعَالِبُ وَالضِّبَاعُ، وَتَبَدَّلَتْ جَنَّاتُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ بِالسِّدْرِ «1» وَشَوْكِ الْعِضَاهِ «2» وَالْقَتَادِ «3»، فَلَا يُسْمَعُ فِيهَا إِلَّا عَزِيفُ الْجِنِّ وَزَئِيرُ الْأَسَدِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَطَوَاتِهِ، وَمِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى مَا يُوجِبُ نِقْمَاتِهِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ. وَأَمَّا الْقَصْرُ الْمَشِيدُ فَقَصْرٌ بَنَاهُ شَدَّادُ بْنُ عاد بْنِ إِرَمَ، لَمْ يُبْنَ فِي الْأَرْضِ مِثْلُهُ- فِيمَا ذَكَرُوا وَزَعَمُوا- وَحَالُهُ أَيْضًا كَحَالِ هَذِهِ الْبِئْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي إِيحَاشِهِ بَعْدَ الْأَنِيسِ، وَإِقْفَارِهِ بَعْدَ الْعُمْرَانِ، وَإِنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ عَلَى أَمْيَالٍ، لِمَا يُسْمَعُ فِيهِ مِنْ عَزِيفِ الْجِنِّ وَالْأَصْوَاتِ الْمُنْكَرَةِ بَعْدَ النَّعِيمِ وَالْعَيْشِ الرَّغْدِ وَبَهَاءِ الْمُلْكِ وَانْتِظَامِ الْأَهْلِ كَالسِّلْكِ فبادوا وَمَا عَادُوا، فَذَكَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْعِظَةً وَعِبْرَةً وَتَذْكِرَةً، وَذِكْرًا وَتَحْذِيرًا مِنْ مَغَبَّةِ الْمَعْصِيَةِ وَسُوءِ عَاقِبَةِ الْمُخَالَفَةِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَنَسْتَجِيرُ بِهِ مِنْ سُوءِ الْمَآلِ. وقيل: إن الذي أهلكهم بخت نصر عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ" الْأَنْبِيَاءِ" فِي قوله:" وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ" «4» [الأنبياء: 11]. فتعطلت بئرهم وخربت قصورهم.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)