تفسير القرطبي (صفحة 4571)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أَيْ أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا. وَقَدْ مَضَى فِي" آلِ عِمْرَانَ" (?) الْكَلَامُ فِي كَأَيِّنْ. (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أَيْ بِالْكُفْرِ. (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) تَقَدَّمَ فِي الْكَهْفِ (?). (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) قَالَ الزَّجَّاجُ:" وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ" مَعْطُوفٌ عَلَى" مِنْ قَرْيَةٍ" أَيْ وَمِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ وَمِنْ أَهْلِ بِئْرٍ. وَالْفَرَّاءُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ" وَبِئْرٍ" مَعْطُوفٌ عَلَى" عُرُوشِها". وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَأَلْتُ نَافِعَ بْنَ أَبِي نُعَيْمٍ أَيُهْمَزُ الْبِئْرُ وَالذِّئْبُ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَهْمِزُهُمَا فَاهْمِزْهُمَا. وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ نَافِعٍ بِهَمْزِهِمَا، إِلَّا وَرْشًا فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ فِيهِمَا، وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ. وَمَعْنَى" مُعَطَّلَةٍ" مَتْرُوكَةٌ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: خَالِيَةٌ مِنْ أَهْلِهَا لِهَلَاكِهِمْ. وَقِيلَ: غَائِرَةُ الْمَاءِ. وَقِيلَ: مُعَطَّلَةٌ مِنْ دِلَائِهَا وَأَرْشِيَتِهَا، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: رفيع طويل. قال غدى بْنُ زَيْدٍ:

شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ ... سًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ

أَيْ رَفَعَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: مُجَصَّصٌ، من الشيد وهو الجص. قال الراجز (?):

لا تحسبني وإن كنت امرأ غمرا ... كحينة الْمَاءِ بَيْنَ الطِّينِ وَالشِّيدِ

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَلَا أُطُمًا إِلَّا مَشِيدًا بِجَنْدَلِ (?)

وَقَالَ ابْنُ عباس: (مَشِيدٍ) أي حصين، وقاله الْكَلْبِيُّ. وَهُوَ مَفْعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَمَبِيعٍ بِمَعْنَى مَبْيُوعٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْمَشِيدُ الْمَعْمُولُ بِالشِّيدِ. وَالشِّيدُ (بالكسر): كل شي طَلَيْتَ بِهِ الْحَائِطَ مِنْ جِصٍّ أَوْ بَلَاطٍ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ. تَقُولُ: شَادَهُ يَشِيدُهُ شَيْدًا جَصَّصَهُ. وَالْمُشَيَّدُ (بِالتَّشْدِيدِ) الْمُطَوَّلُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ:" الْمَشِيدُ" لِلْوَاحِدِ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَقَصْرٍ مَشِيدٍ"، وَالْمُشَيَّدُ لِلْجَمْعِ، من قوله تعالى:" فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ" (?). [النساء: 78]. وفى الكلام مضمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015