تفسير القرطبي (صفحة 4569)

حَقِيقَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: هَدْمُ الصَّلَوَاتِ تَرْكُهَا، قُطْرُبٌ: هِيَ الصَّوَامِعُ الصِّغَارُ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهَا وَاحِدٌ. وَذَهَبَ خُصَيْفٌ إِلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ تَقْسِيمُ مُتَعَبَّدَاتِ الْأُمَمِ. فَالصَّوَامِعُ لِلرُّهْبَانِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، وَالصَّلَوَاتُ لِلْيَهُودِ، وَالْمَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا قُصِدَ بِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي ذِكْرِ الْمُتَعَبَّدَاتِ. وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ تَشْتَرِكُ الْأُمَمُ فِي مُسَمَّيَاتِهَا، إِلَّا الْبِيعَةَ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالنَّصَارَى فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. وَمَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ هِيَ فِي الْأُمَمِ الَّتِي لَهَا «1» كِتَابٌ عَلَى قَدِيمِ الدَّهْرِ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَجُوسُ وَلَا أَهْلُ الْإِشْرَاكِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَجِبُ حِمَايَتُهُ، وَلَا يُوجَدُ ذِكْرُ اللَّهِ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرَائِعِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ:" يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ 40" الَّذِي يَجِبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى حَقِيقَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ" يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ 40" عَائِدًا عَلَى الْمَسَاجِدِ لَا عَلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَلِيهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى" صَوامِعُ 40" وَمَا بَعْدَهَا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى وَقْتَ شَرَائِعِهِمْ وَإِقَامَتِهِمُ الْحَقَّ. السَّابِعَةُ- فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُدِّمَتْ مَسَاجِدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُصَلَّيَاتُهُمْ عَلَى مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ؟ قِيلَ: لِأَنَّهَا أَقْدَمُ بِنَاءً. وَقِيلَ: لِقُرْبِهَا مِنَ الْهَدْمِ وَقُرْبِ الْمَسَاجِدِ مِنَ الذِّكْرِ، كَمَا أُخِّرَ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ:" فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ" «2» [فاطر: 32]. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) 40 أَيْ مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ وَنَبِيَّهُ. (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ) 40 أَيْ قَادِرٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْقَوِيُّ يَكُونُ بمعنى القادر، ومن قوى على شي فَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ. (عَزِيزٌ) أَيْ جَلِيلٌ شَرِيفٌ، قاله الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ الْمُمْتَنِعُ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحسنى.

[سورة الحج (22): آية 41]

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)

قَالَ الزَّجَّاجُ:" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ رَدًّا عَلَى" مِنْ"، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ:" وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ 40". وَقَالَ غَيْرُهُ:" الَّذِينَ" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ:" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015