السَّادِسَةُ- قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ ضَعُفَ إِنْسَانٌ أَوْ تَخَوَّفَ أَنْ تَنْفَلِتَ بَدَنَتُهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْحَرَهَا مَعْقُولَةً. وَالِاخْتِيَارُ أَنْ تُنْحَرَ الْإِبِلُ قَائِمَةً غَيْرَ مَعْقُولَةٍ، إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ فَتُعْقَلُ وَلَا تُعَرْقَبُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْهَا وَلَا يَقْوَى عَلَيْهَا. وَنَحْرُهَا بَارِكَةً أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تُعَرْقَبَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ الْحَرْبَةَ بِيَدِهِ فِي عُنْفُوَانِ أَيْدِهِ فَيَنْحَرُهَا فِي صَدْرِهَا وَيُخْرِجُهَا عَلَى سَنَامِهَا، فَلَمَّا أَسَنَّ كَانَ يَنْحَرُهَا بَارِكَةً لِضَعْفِهِ، وَيُمْسِكُ مَعَهُ الْحَرْبَةَ رَجُلٌ آخَرُ، وَآخَرُ بِخِطَامِهَا. وَتُضْجَعُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. السَّابِعَةُ- وَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِإِجْمَاعٍ. وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَلَّ النَّحْرُ بِمِنًى، وَلَيْسَ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُ نَحْرِ إِمَامِهِمْ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ. وَالْمَنْحَرُ مِنًى لِكُلِّ حَاجٍّ، وَمَكَّةُ لِكُلِّ مُعْتَمِرٍ. وَلَوْ نَحَرَ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ وَالْمُعْتَمِرُ بِمِنًى لَمْ يُحْرَجْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) يُقَالُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا سَقَطَتْ، وَوَجَبَ الْحَائِطُ إِذَا سَقَطَ. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
أَطَاعَتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيرًا نَهَاهُمُ ... عَنِ السِّلْمِ حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:
أَلَمْ تَكْسِفِ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ وَالْ ... كَوَاكِبُ لِلْجَبَلِ الْوَاجِبِ (?)
فَقَوْلُهُ تَعَالَى:" فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها" يُرِيدُ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى جُنُوبِهَا مَيِّتَةً. كَنَّى عَنِ الْمَوْتِ بِالسُّقُوطِ عَلَى الْجَنْبِ كَمَا كَنَّى عَنِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها". وَالْكِنَايَاتُ فِي أَكْثَرِ المواضع أبلغ من التصريح. قال الشاعر:
فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ ... مَا بَيْنَ قُلَّةِ رأسه والمعصم (?)