تفسير القرطبي (صفحة 454)

فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا. وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا مُسِخَتْ قُلُوبُهُمْ فَقَطْ، وَرُدَّتْ أَفْهَامُهُمْ كَأَفْهَامِ الْقِرَدَةِ. وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا أَعْلَمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) " قِرَدَةً" خَبَرُ كَانَ." خاسِئِينَ" نعت، وإن شئت جعلته خبرا ثانيا لكان، أَوْ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي" كُونُوا". وَمَعْنَاهُ مُبْعَدِينَ. يُقَالُ: خَسَأْتُهُ فَخَسَأَ وَخُسِئَ، وَانْخَسَأَ أَيْ أَبْعَدْتُهُ فَبَعُدَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً" «1» [الملك: 4] أي مبعدا. وقوله:" اخْسَؤُا فِيها" «2» [المؤمنون: 108] أَيْ تَبَاعَدُوا. تَبَاعُدَ سُخْطٍ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: خَسَأَ الرَّجُلُ خُسُوءًا، وَخَسَأْتُهُ خَسْأً. وَيَكُونُ الْخَاسِئُ بِمَعْنَى الصاغر القمي. يُقَالُ: قَمُؤَ الرَّجُلُ قَمَاءً وَقَمَاءَةً صَارَ قَمِيئًا، وَهُوَ الصَّاغِرُ الذَّلِيلُ. وَأَقْمَأْتُهُ: صَغَّرْتُهُ وَذَلَّلْتُهُ، فَهُوَ قمي على فعيل.

[سورة البقرة (?): آية 66]

فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَجَعَلْناها نَكالًا) نَصْبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَفِي الْمَجْعُولِ نَكَالًا أَقَاوِيلُ، قِيلَ: الْعُقُوبَةُ. وَقِيلَ: الْقَرْيَةُ، إِذْ مَعْنَى الْكَلَامِ يَقْتَضِيهَا. وَقِيلَ: الْأُمَّةُ الَّتِي مُسِخَتْ. وَقِيلَ: الْحِيتَانُ، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَالنَّكَالُ: الزَّجْرُ وَالْعِقَابُ. وَالنِّكْلُ وَالْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ. وَسُمِّيَتِ الْقُيُودُ أَنْكَالًا لِأَنَّهَا يُنْكَّلُ بِهَا، أَيْ يُمْنَعُ. وَيُقَالُ لِلِّجَامِ الثَّقِيلِ: نَكْلٌ «3» وَنِكْلٌ، لِأَنَّ الدَّابَّةَ تُمْنَعُ بِهِ. وَنَكَلَ عَنِ الْأَمْرِ يَنْكُلُ، وَنَكِلَ يَنْكَلُ إِذَا امْتَنَعَ. وَالتَّنْكِيلُ: إِصَابَةُ الْأَعْدَاءِ بِعُقُوبَةٍ تُنَكِّلُ مَنْ وَرَاءَهُمْ، أَيْ تُجَبِّنُهُمْ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّكَالُ الْعُقُوبَةُ. ابْنُ دُرَيْدٍ: وَالْمَنْكَلُ: الشيء الذي ينكل بالإنسان، قال: «4»

فارم على أقفائهم بمنكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015