تفسير القرطبي (صفحة 4519)

تَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ يَنْصُرُنِي نَصَرَهُ اللَّهُ، أَيْ مَنْ أَعْطَانِي أَعْطَاهُ اللَّهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ: أَرْضٌ مَنْصُورَةٌ، أَيْ مَمْطُورَةٌ. قَالَ الْفَقْعَسِيُّ: «1»

وَإِنَّكَ لَا تُعْطِي امْرَأً فَوْقَ حَقِّهِ ... وَلَا تملك الشَّقِّ الَّذِي الْغَيْثُ نَاصِرُهُ

وَكَذَا رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:" مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ" أَيْ لَنْ يَرْزُقَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْهَاءَ تَعُودُ عَلَى الدِّينِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ دِينَهُ. (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) أَيْ بِحَبْلٍ. وَالسَّبَبُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ." إِلَى السَّماءِ" إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ. ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ السَّمَاءُ الْمَعْرُوفَةُ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ" ثُمَّ لْيَقْطَعْ" بِإِسْكَانِ اللَّامِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ" ثُمَّ" لَيْسَتْ مِثْلَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ، لِأَنَّهَا يُوقَفُ، عَلَيْهَا وَتَنْفَرِدُ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:" فَلْيَقْطَعْهُ ثُمَّ لْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ". قِيلَ:" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي، أَيْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ الَّذِي يَغِيظُهُ، فَحَذَفَ الْهَاءَ لِيَكُونَ أَخَفَّ. وَقِيلَ:" مَا" بِمَعْنَى المصدر، أي هل يذهبن كيده غيظه.

[سورة الحج (22): آية 16]

وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ) يَعْنِي الْقُرْآنَ. (وَأَنَّ اللَّهَ) أَيْ وَكَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ (يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ)، عَلَّقَ وُجُودَ الْهِدَايَةِ بِإِرَادَتِهِ، فَهُوَ الْهَادِي لَا هَادِيَ سِوَاهُ.

[سورة الحج (22): آية 17]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَالَّذِينَ هادُوا) الْيَهُودُ، وَهُمُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى مِلَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. (وَالصَّابِئِينَ) هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015