تفسير القرطبي (صفحة 4517)

تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ" (?) [الزخرف: 49]، أَيْ يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ عِنْدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَكَ سَاحِرًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" يَدْعُوا" فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَفِيهِ هَاءٌ مَحْذُوفَةٌ، أَيْ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوهُ، أَيْ فِي حال دعائه إياه، ففي" يَدْعُوا" هاء مضمرة، ويوقف على هذا على" يَدْعُوا". وَقَوْلُهُ:" لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ" كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ" لَبِئْسَ الْمَوْلى "، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْيَمِينِ وَالتَّوْكِيدِ فَجَعَلَهَا أَوَّلَ الْكَلَامِ. قَالَ الزَّجَّاجُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" ذلِكَ" بِمَعْنَى الذي، ويكون في محل النصب بوقوع" يَدْعُوا" عليه، أي الذي هو [في (?)] الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو، كَمَا قَالَ:" وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى 20: 17" (?) أَيْ مَا الَّذِي. ثُمَّ قَوْلُهُ" لَمَنْ ضَرُّهُ" كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَ" لَبِئْسَ الْمَوْلى " خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا: يَدْعُو الَّذِي هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ، قُدِّمَ الْمَفْعُولُ وَهُوَ الَّذِي، كَمَا تَقُولُ: زَيْدًا يَضْرِبُ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَزَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّ النَّحْوِيِّينَ أَغْفَلُوا هَذَا الْقَوْلَ، وَأَنْشَدَ:

عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ ... نَجَوْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ (?)

أَيْ وَالَّذِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَيْضًا والفراء: يجوز أن يكون" يَدْعُوا" مُكَرَّرَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا، عَلَى جِهَةِ تَكْثِيرِ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ، وَلَا تُعَدِّيهِ إِذْ قَدْ عَدَّيْتَهُ أَوَّلًا، أَيْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ يَدْعُو، مِثْلُ ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرَبْتُ، ثُمَّ حُذِفَتْ يَدْعُو الْآخِرَةُ اكْتِفَاءً بِالْأُولَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَجُوزُ" لَمَنْ ضَرُّهُ" بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ يَدْعُو إِلَى مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها" (?) أَيْ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا وَالْقَفَّالُ: اللَّامُ صِلَةٌ، أَيْ يَدْعُو مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، أَيْ يَعْبُدُهُ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أَيْ فِي التَّنَاصُرِ (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أَيِ الْمُعَاشِرُ وَالصَّاحِبُ وَالْخَلِيلُ. مجاهد: يعني الوثن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015