عَلَى مَعْنَى يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاءَ. الْبَاقُونَ" نَطْوِي" بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَانْتِصَابُ" يَوْمَ" عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ فِي الصِّلَةِ، التَّقْدِيرُ: الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَهُ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ. أَوْ يَكُونُ مَنْصُوبًا بِ"- نُعِيدُ" مِنْ قَوْلِهِ" كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ". أَوْ بِقَوْلِهِ:" لَا يَحْزُنُهُمُ" أَيْ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي نَطْوِي فِيهِ السَّمَاءَ. أَوْ عَلَى إِضْمَارِ وَاذْكُرْ، وَأَرَادَ بِالسَّمَاءِ الْجِنْسَ، دَلِيلُهُ:" وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ" (?) [الزمر: 67]." كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ" (?) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ عَلَى مَا فِيهَا، فَاللَّامُ بِمَعْنَى" عَلَى". وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: اسْمُ كَاتِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، لِأَنَّ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفُونَ لَيْسَ هَذَا مِنْهُمْ، وَلَا فِي أَصْحَابِهِ مَنِ اسْمُهُ السِّجِلُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنُ عُمَرَ وَالسُّدِّيُّ:" السِّجِلِّ" مَلَكٌ، وَهُوَ الَّذِي يَطْوِي كُتُبَ بَنِي آدَمَ إِذَا رُفِعَتْ إِلَيْهِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ فِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، تُرْفَعُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، يَرْفَعُهَا إِلَيْهِ الْحَفَظَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِالْخَلْقِ فِي كُلِّ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَعْوَانِهِ فِيمَا ذَكَرُوا هَارُوتُ وَمَارُوتُ. وَالسِّجِلُّ الصَّكُّ، وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ السِّجَالَةِ وَهِيَ الْكِتَابَةُ، وَأَصْلُهَا مِنَ السَّجْلِ وَهُوَ الدَّلْوُ، تَقُولُ: سَاجَلْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعْتُ دَلْوًا وَنَزَعَ دَلْوًا، ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ فَسُمِّيَتِ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُرَاجَعَةُ مُسَاجَلَةً. وَقَدْ سَجَّلَ الْحَاكِمُ تَسْجِيلًا. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:
مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا ... يَمْلَأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكَرَبِ (?)
ثُمَّ بُنِيَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى فِعِلٍّ مِثْلَ حِمِرٍّ وَطِمِرٍّ وَبِلِيٍّ. وَقَرَأَ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ:"/ كَطَيِّ السُّجُلِّ" بِضَمِّ السِّينِ وَالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ:" كَطَيِّ السِّجِلِّ" بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالتَّمَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ:" لِلْكِتَابِ". وَالطَّيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الدَّرْجُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّشْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ" [الزمر: 67]. وَالثَّانِي: الْإِخْفَاءُ وَالتَّعْمِيَةُ وَالْمَحْوُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يمحو ويطمس رسومها ويكدر نجومها.