تفسير القرطبي (صفحة 4444)

الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. [مثل «1»] الْحُطَامُ وَالرُّفَاتُ الْوَاحِدَةُ جُذَاذَةٌ. وَهَذَا هُوَ الْكَيْدُ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ لَيَفْعَلَنَّهُ بِهَا. وَقَالَ:" فَجَعَلَهُمْ"، لِأَنَّ الْقَوْمَ اعْتَقَدُوا فِي أَصْنَامِهِمُ الْإِلَهِيَّةَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو نَهِيكٍ وَأَبُو السَّمَّالِ:" جَذَاذًا" بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ لُغَتَانِ كَالْحَصَادِ وَالْحِصَادِ. أَبُو حَاتِمٍ: الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَالضَّمُّ بِمَعْنًى، حَكَاهُ قُطْرُبٌ. (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) أَيْ عَظِيمَ الْآلِهَةِ فِي الْخَلْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكَسِّرْهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُجَاهِدٌ: تَرَكَ الصَّنَمَ الْأَكْبَرَ وَعَلَّقَ الْفَأْسَ الَّذِي كَسَّرَ بِهِ الْأَصْنَامَ فِي عُنُقِهِ، لِيَحْتَجَّ بِهِ عليهم. (لعلهم إليه) أي إلى إبراهيم دينه" يَرْجِعُونَ" إِذَا قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ:" لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ" أَيْ إِلَى الصَّنَمِ الْأَكْبَرِ" يَرْجِعُونَ" فِي تكسيرها.

[سورة الأنبياء (21): الآيات 59 الى 61]

قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) الْمَعْنَى لَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ وَرَأَوْا مَا أُحْدِثَ بِآلِهَتِهِمْ، قَالُوا عَلَى جِهَةِ الْبَحْثِ وَالْإِنْكَارِ:" مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ". وَقِيلَ:" مَنْ" لَيْسَ اسْتِفْهَامًا، بَلْ هُوَ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُهُ" لَمِنَ الظَّالِمِينَ" أَيْ فَاعِلُ هَذَا ظَالِمٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) وَهَذَا هُوَ جَوَابُ" مَنْ فَعَلَ هَذَا". وَالضَّمِيرُ فِي" قالُوا" لِلْقَوْمِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ سَمِعُوا إِبْرَاهِيمَ، أَوِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمَعْنَى" يَذْكُرُهُمْ" يَعِيبُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ فَلَعَلَّهُ الَّذِي صَنَعَ هَذَا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَجْهِ رَفْعِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَرْتَفِعُ عَلَى مَعْنَى يُقَالُ لَهُ هُوَ إِبْرَاهِيمُ، فَيَكُونُ [خَبَرَ مُبْتَدَأٍ «2»] مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ مَحْكِيَّةٌ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى النِّدَاءِ وَضَمُّهُ بِنَاءٌ، وَقَامَ لَهُ مَقَامَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقِيلَ: رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، عَلَى أَنْ يُجْعَلَ إِبْرَاهِيمُ غَيْرَ دَالٍّ عَلَى الشَّخْصِ، بَلْ يُجْعَلُ النُّطْقُ بِهِ دَالًّا عَلَى بِنَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَيْ يُقَالُ لَهُ هَذَا القول وهذا اللفظ، [وهذا «3»] كما تقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015