تفسير القرطبي (صفحة 4423)

وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا وَلَا حِسَابًا. وَقِيلَ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ وَلَدًا عَلَى طَرِيقِ التَّبَنِّي لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَمَالَ إِلَى هَذَا قَوْمٌ، لِأَنَّ الْإِرَادَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِالتَّبَنِّي فَأَمَّا اتِّخَاذُ الْوَلَدِ فَهُوَ مُحَالٌ، وَالْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَحِيلِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) الْقَذْفُ الرَّمْيُ، أَيْ نَرْمِي بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ. (فَيَدْمَغُهُ) أَيْ يَقْهَرُهُ وَيُهْلِكُهُ. وَأَصْلُ الدَّمْغِ شَجُّ الرَّأْسِ حَتَّى يَبْلُغَ الدِّمَاغَ، وَمِنْهُ الدَّامِغَةُ «1». وَالْحَقُّ هُنَا الْقُرْآنُ، وَالْبَاطِلُ الشَّيْطَانُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْبَاطِلِ فَهُوَ الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: الْبَاطِلُ كَذِبُهُمْ وَوَصْفُهُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ مِنَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْحَقِّ الْحُجَّةَ، وَبِالْبَاطِلِ شُبَهَهُمْ. وَقِيلَ: الْحَقُّ الْمَوَاعِظُ، وَالْبَاطِلُ الْمَعَاصِي، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَالْقُرْآنُ يَتَضَمَّنُ الْحُجَّةَ وَالْمَوْعِظَةَ. (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أَيْ هَالِكٌ وَتَالِفٌ، قَالَهُ قَتَادَةُ. (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) أَيِ العذاب في الآخرة بسبب وصفكم الرب بِمَا لَا يَجُوزُ وَصْفُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «2»." مِمَّا تَصِفُونَ" أَيْ مِمَّا تَكْذِبُونَ، عَنْ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ، نظيره:" سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ" «3» [الانعام: 139] أَيْ بِكَذِبِهِمْ. وَقِيلَ: مِمَّا تَصِفُونَ اللَّهَ بِهِ من المحال وهو اتخاذه سبحانه الولد.

[سورة الأنبياء (21): الآيات 19 الى 21]

وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ مُلْكًا وَخَلْقًا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ مَا هُوَ عَبْدُهُ وَخَلْقُهُ. (وَمَنْ عِنْدَهُ) يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ. (لَا يَسْتَكْبِرُونَ) أَيْ لَا يَأْنَفُونَ (عَنْ عِبادَتِهِ) وَالتَّذَلُّلِ لَهُ. (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أَيْ يَعْيَوْنَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. مَأْخُوذٌ مِنَ الحسير وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب، [يقال]: حَسَرَ الْبَعِيرُ يَحْسِرُ حُسُورًا أَعْيَا وَكَلَّ، وَاسْتَحْسَرَ وَتَحَسَّرَ مِثْلُهُ، وَحَسَرْتُهُ أَنَا حَسْرًا يَتَعَدَّى وَلَا يتعدى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015