قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ) " ذَلِكَ" تَعْلِيلٌ. (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ) أَيْ يَكْذِبُونَ- بِآياتِ اللَّهِ) أَيْ بِكِتَابِهِ وَمُعْجِزَاتِ أَنْبِيَائِهِ، كَعِيسَى وَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) مَعْطُوفٌ عَلَى" يَكْفُرُونَ". وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ" يَقْتُلُونَ" وَعَنْهُ أَيْضًا كَالْجَمَاعَةِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ" النَّبِيئِينَ" بِالْهَمْزِ حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ:" إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ" (?) [الأحزاب. 50]. و" لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا" [الأحزاب: 53] فَإِنَّهُ قَرَأَ بِلَا مَدٍّ وَلَا هَمْزٍ. وَإِنَّمَا تَرَكَ هَمْزَ هَذَيْنِ لِاجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ. وَتَرَكَ الْهَمْزَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْبَاقُونَ. فَأَمَّا مَنْ هَمَزَ فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ أَنْبَأَ إِذَا أَخْبَرَ، واسم فاعله منبئ. ويجمع نبئ أَنْبِيَاءَ، وَقَدْ جَاءَ فِي جَمْعِ نَبِيٍّ نُبَآءُ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ ... بِالْحَقِّ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا
هَذَا مَعْنَى قِرَاءَةِ الْهَمْزِ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِ الْهَمْزِ، فَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَقَّ اشْتِقَاقَ مَنْ هَمَزَ، ثُمَّ سَهَّلَ الْهَمْزَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ نَبَا يَنْبُو إِذَا ظَهَرَ. فَالنَّبِيُّ مِنَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ، فَمَنْزِلَةُ النَّبِيِّ رَفِيعَةٌ. وَالنَّبِيُّ بِتَرْكِ الْهَمْزِ أَيْضًا الطَّرِيقُ، فَسُمِّيَ الرَّسُولُ نَبِيًّا لِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ بِهِ كَالطَّرِيقِ، قَالَ الشَّاعِرُ: (?)
لَأَصْبَحَ رَتْمًا دِقَاقُ الْحَصَى ... مَكَانَ النَّبِيِّ مِنَ الْكَاثِبِ
رَتَمْتُ الشَّيْءِ: كَسَرْتُهُ، يُقَالُ: رَتَمَ أَنْفَهُ وَرَثَمَهُ، بِالتَّاءِ وَالثَّاءِ جَمِيعًا. وَالرَّتْمُ أَيْضًا الْمَرْتُومُ أَيْ الْمَكْسُورُ. وَالْكَاثِبُ اسْمُ جَبَلٍ. فَالْأَنْبِيَاءُ لَنَا كَالسُّبُلِ فِي الْأَرْضِ. وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يا نبئ اللَّهِ، وَهَمَزَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَسْتَ بنبي اللَّهِ- وَهَمَزَ- وَلَكِنِّي نَبِيُّ اللَّهِ) وَلَمْ يَهْمِزْ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: ضُعِّفَ سَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمِمَّا يُقَوِّي ضَعْفَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَنْشَدَهُ الْمَادِحُ:
يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ ...
وَلَمْ يُؤْثَرْ في ذلك إنكار.