نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ لَنَا فِي آبَائِنَا الْأَدْنِينَ إِلَيْنَا، الْمُمَاثِلِينَ لَنَا، فَكَيْفَ فِي أَبِينَا الْأَقْدَمِ الْأَعْظَمِ الْأَكْرَمِ النَّبِيِّ الْمُقَدَّمِ، الَّذِي عَذَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ. قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ، فَالْإِخْبَارُ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْإِصْبَعِ وَالْجَنْبِ وَالنُّزُولِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ قوله:" وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ" (?) [المائدة 64] فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ قُطِعَتْ يَدُهُ، وَكَذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ يُقْطَعُ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ شَبَّهَ اللَّهَ تَعَالَى بِنَفْسِهِ. الثَّالِثَةُ- رَوَى الْأَئِمَّةُ واللفظ [المسلم (?)] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا من الجنة فقال [له (?)] آدَمُ يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ يَا مُوسَى: أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ثَلَاثًا" (?) قَالَ الْمُهَلَّبُ قَوْلُهُ:" فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى" أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ. قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّمَا صَحَّتِ الْحُجَّةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ لِآدَمَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لِآدَمَ خَطِيئَتَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِمُوسَى أَنْ يُعَيِّرَهُ بِخَطِيئَةٍ قَدْ غَفَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَتَاكَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَفِيهَا علم كل شي، فَوَجَدْتَ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْمَعْصِيَةَ، وَقَدَّرَ عَلَيَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا، وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ اللَّوْمَ عَنِّي أَفَتَلُومُنِي أَنْتَ وَاللَّهُ لَا يَلُومُنِي وَبِمِثْلِ هَذَا احْتَجَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى الَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا عَلَى عُثْمَانَ ذَنْبٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَفَا عَنْهُ بِقَوْلِهِ:" وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ" (?) [آل عمران: 155]. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبٌ وَلَيْسَ تَعْيِيرُهُ مِنْ بِرِّهِ أَنْ لَوْ كَانَ مِمَّا يُعَيَّرُ بِهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ:" وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً" (?) [لقمان: 15] وَلِهَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُوهُ وَهُوَ كَافِرٌ:" لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ" (?) [مريم: 46] فَكَيْفَ بِأَبٍ هُوَ نَبِيٌّ قَدِ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ وتاب عليه وهدى.