تفسير القرطبي (صفحة 4389)

صَارَا رَمَادًا فَيُمْكِنُ تَذْرِيَتُهُ فِي الْيَمِّ فَأَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَصِيرُ رَمَادًا وَقِيلَ: عَرَفَ مُوسَى مَا صَيَّرَ بِهِ الذَّهَبَ رَمَادًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ. وَمَعْنَى" لَنَنْسِفَنَّهُ 20: 97" لَنُطَيِّرَنَّهُ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ" لَنَنْسُفَنَّهُ" بِضَمِّ السِّينِ لُغَتَانِ، وَالنَّسْفُ نَفْضُ الشَّيْءِ لِيَذْهَبَ بِهِ الرِّيحُ وَهُوَ التَّذْرِيَةُ، وَالْمِنْسَفُ ما ينسف به الطعام، وهو شي مُتَصَوِّبُ «1» الصَّدْرِ أَعْلَاهُ مُرْتَفِعٌ، وَالنُّسَافَةُ مَا يَسْقُطُ منه، يقال: اعزل النسافة وكل الْخَالِصِ. وَيُقَالُ: أَتَانَا فُلَانٌ كَأَنَّ لِحْيَتَهُ مِنْسَفٌ، حَكَاهُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ حَاتِمٍ. وَالْمِنْسَفَةُ آلَةٌ يُقْلَعُ بِهَا الْبِنَاءُ، وَنَسَفْتُ الْبِنَاءَ نَسْفًا قلعته، ونسفت الْبَعِيرُ الْكَلَأَ يَنْسِفُهُ بِالْكَسْرِ إِذَا اقْتَلَعَهُ بِأَصْلِهِ، وَانْتَسَفْتُ الشَّيْءَ اقْتَلَعْتُهُ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) 20: 98 لَا العجل، أي وسع كل شي عِلْمُهُ، يَفْعَلُ الْفِعْلَ عَنِ الْعِلْمِ، وَنُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ" وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً 20: 98".

[سورة طه (20): الآيات 99 الى 104]

كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103)

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (104)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذلِكَ) الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبِ نَعْتٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. أَيْ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ خَبَرَ مُوسَى" كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ 20: 99" قَصَصًا كَذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ مَا قَدْ سَبَقَ، لِيَكُونَ تَسْلِيَةً لَكَ، وَلِيَدُلَّ عَلَى صِدْقِكَ. (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) 20: 99 يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ ذِكْرًا، لِمَا فِيهِ من الذكر كما سمي الرسول ذكرا، لان الذِّكْرُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ:" آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً 20: 99" أَيْ شَرَفًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ" «2» [الزخرف: 44] أي شرف وتنويه باسمك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015