وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ فِي التِّيهِ حِينَ مَلُّوا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَتَذَكَّرُوا عَيْشَهُمُ الْأَوَّلَ بِمِصْرَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا نَتَانَى أَهْلَ كُرَّاثٍ وَأَبْصَالٍ وَأَعْدَاسٍ فَنَزَعُوا إِلَى عِكْرِهِمْ «1» عِكْرِ السُّوءِ وَاشْتَاقَتْ طِبَاعُهُمْ إِلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فَقَالُوا: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ. وَكَنَّوْا عَنِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى بِطَعَامٍ وَاحِدٍ وَهُمَا اثْنَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَلِذَلِكَ قَالُوا: طَعَامٌ وَاحِدٌ. وَقِيلَ: لِتَكْرَارِهِمَا فِي كُلِّ يَوْمٍ غِذَاءً كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يُدَاوِمُ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ هُوَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ لِمُلَازَمَتِهِ لِذَلِكَ. وَقِيلَ الْمَعْنَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى الْغِنَى فَيَكُونُ جَمِيعُنَا أَغْنِيَاءُ فَلَا يَقْدِرُ بَعْضُنَا عَلَى الِاسْتِعَانَةِ بِبَعْضٍ لِاسْتِغْنَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بِنَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ كَانُوا فَهُمْ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْعَبِيدَ وَالْخَدَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلى طَعامٍ) الطَّعَامُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُطْعَمُ وَيُشْرَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي" وَقَالَ" لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا" [المائدة: 93] أَيْ مَا شَرِبُوهُ مِنَ الْخَمْرِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ «2». وَإِنْ كَانَ السَّلْوَى الْعَسَلُ- كَمَا حَكَى الْمُؤَرِّجُ- فَهُوَ مَشْرُوبٌ أَيْضًا. وَرُبَّمَا خُصَّ بِالطَّعَامِ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ