تفسير القرطبي (صفحة 4321)

أَبُو حَنِيفَةَ: يُزِيلُهُ إِذَا يَبِسَ الْحَكُّ وَالْفَرْكُ، وَلَا يُزِيلُ رَطْبَهُ إِلَّا الْغَسْلُ مَا عَدَا الْبَوْلَ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ عِنْدَهُ إِلَّا الْغَسْلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُطَهِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كله إِلَّا الْمَاءُ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَسْحَ يُطَهِّرُهُ مِنَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. فَأَمَّا لَوْ كَانَتِ النَّعْلُ وَالْخُفُّ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَهُوَ نَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ، مَا عَدَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" النَّحْلِ" (?). وَمَضَى فِي سُورَةِ" بَرَاءَةٍ" (?) الْقَوْلُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تعالى: (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) 20: 12 الْمُقَدَّسُ: الْمُطَهَّرُ. وَالْقُدْسُ: الطَّهَارَةُ، وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيِ الْمُطَهَّرَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ مِنْهَا الْكَافِرِينَ وَعَمَرَهَا بِالْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِبَعْضِ الْأَمَاكِنِ زِيَادَةَ فَضْلٍ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا قَدْ جَعَلَ لِبَعْضِ الْأَزْمَانِ زِيَادَةَ فَضْلٍ عَلَى بَعْضٍ، وَلِبَعْضِ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ. وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّلَ مَا شَاءَ. وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهِ مُقَدَّسًا بِإِخْرَاجِ الْكَافِرِينَ وَإِسْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ. وَ (طُوىً) اسْمُ الْوَادِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ وَادٍ عَمِيقٌ مُسْتَدِيرٌ مِثْلُ الطَّوِيِّ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ:" طِوًى". الْبَاقُونَ" طُوىً". قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:" طُوىً" اسْمُ مَوْضِعٍ بِالشَّامِ، تُكْسَرُ طَاؤُهُ وَتُضَمُّ، وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، فَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اسْمَ وَادٍ وَمَكَانٍ وَجَعَلَهُ نَكِرَةً، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ بَلْدَةً وَبُقْعَةً وَجَعَلَهُ مَعْرِفَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:" طُوىً" مِثْلَ" طِوًى" وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَثْنِيُّ، وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ:" الْمُقَدَّسِ طُوىً": طُوِيَ مَرَّتَيْنِ أَيْ قُدِّسَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: ثُنِيَتْ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالتَّقْدِيسُ مَرَّتَيْنِ. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:" طُوىً" لِأَنَّ مُوسَى طَوَاهُ بِاللَّيْلِ إِذْ مَرَّ بِهِ فَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي، فَهُوَ مَصْدَرٌ عَمِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) 20: 12 الَّذِي طَوَيْتَهُ طُوًى، أَيْ تَجَاوَزْتَهُ فَطَوَيْتَهُ بِسَيْرِكَ. الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ طَوَيْتُهُ طُوًى أيضا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015