تفسير القرطبي (صفحة 4135)

من وسطه، أصله في مِثْلُ فِيعَ، لِأَنَّهُ مِنْ فَاءَ، وَيُجْمَعُ عَلَى فئون وفيات مئل شِيَاتٍ وَلِدَاتٍ وَمِئَاتٍ. أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَضَلَّ عَنْهُ من افتخر بهم من الخدم والولد.

[سورة الكهف (18): آية 44]

هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) اخْتُلِفَ فِي الْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ" هُنالِكَ" وَهُوَ ظَرْفٌ، فَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهِ" وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ" وَلَا كَانَ هُنَالِكَ، أَيْ مَا نُصِرَ وَلَا انْتَصَرَ هُنَالِكَ، أَيْ لِمَا أَصَابَهُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ" مُنْتَصِراً". وَالْعَامِلُ فِي قَوْلِهِ" هُنالِكَ":" الْوَلايَةُ". وَتَقْدِيرُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ: الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُنَالِكَ، أَيْ فِي الْقِيَامَةِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ" الْحَقُّ" بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْوِلَايَةِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَمْزَةُ" الْحَقِّ" بِالْخَفْضِ نَعْتًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّقْدِيرُ: لِلَّهِ ذِي الْحَقِّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ" الْحَقَّ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالتَّوْكِيدِ، كَمَا تَقُولُ: هَذَا لَكَ حَقًّا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" الْوِلَايَةُ" بِكَسْرِ الْوَاوِ، الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالرَّضَاعَةِ وَالرِّضَاعَةِ. وَقِيلَ: الْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ مِنَ الْمُوَالَاةِ، كَقَوْلِهِ" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا «1» "." ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا" «2». وَبِالْكَسْرِ يَعْنِي السُّلْطَانَ وَالْقُدْرَةَ وَالْإِمَارَةَ، كَقَوْلِهِ" وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «3» " أَيْ لَهُ الْمُلْكُ وَالْحُكْمُ يَوْمئِذٍ، أَيْ لَا يُرَدُّ أَمْرُهُ إِلَى أَحَدٍ، وَالْمُلْكُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِلَّهِ وَلَكِنْ تَزُولُ الدَّعَاوَى وَالتَّوَهُّمَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّهَا بِفَتْحِ الْوَاوِ لِلْخَالِقِ، وَبِكَسْرِهَا لِلْمَخْلُوقِ. (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً) أَيِ اللَّهُ خَيْرٌ ثَوَابًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَلَيْسَ ثَمَّ غَيْرُ يُرْجَى مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ فِي ظَنِّ الْجُهَّالِ، أَيْ هُوَ خَيْرٌ مَنْ يُرْجَى. (وَخَيْرٌ عُقْباً) قَرَأَ عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَيَحْيَى" عُقْباً" سَاكِنَةُ الْقَافِ، الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ هُوَ خَيْرٌ عاقبة لِمَنْ رَجَاهُ وَآمَنَ بِهِ. يُقَالُ: هَذَا عَاقِبَةُ أمر فلان وعقباه وعقبه، أي آخره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015