تفسير القرطبي (صفحة 4120)

إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا" كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) و" جَنَّاتُ عَدْنٍ" سُرَّةُ الْجَنَّةِ، أَيْ وَسَطُهَا وَسَائِرُ الْجَنَّاتِ مُحْدِقَةٌ بِهَا وَذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِسَعَتِهَا، لِأَنَّ كُلَّ بُقْعَةٍ مِنْهَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ جَنَّةً وَقِيلَ: الْعَدْنُ الْإِقَامَةُ، يُقَالُ: عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَعَدَنْتُ الْبَلَدَ تَوَطَّنْتُهُ وَعَدَنَتِ الْإِبِلُ بِمَكَانِ كَذَا لَزِمَتْهُ فَلَمْ تَبْرَحْ مِنْهُ، وَمِنْهُ" جَنَّاتُ عَدْنٍ" أَيْ جَنَّاتُ إِقَامَةٍ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَعْدِنُ (بِكَسْرِ الدَّالِّ)، لِأَنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ فيه بالصيف والشتاء ومركز كل شي معدنه والعادن: الناقة المقيمة في المراعى. وَعَدَنُ بَلَدٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) تقدم في غير موضع (?). (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) وَهُوَ جَمْعُ سِوَارٍ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ أَسْوِرَةٍ: وَاحِدٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَوَاحِدٌ مِنْ وَرِقٍ، وَوَاحِدٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ. قُلْتُ: هَذَا مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ هُنَا" مِنْ ذَهَبٍ" وَقَالَ فِي الْحَجِّ (?) وَفَاطِرَ (?) " مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً" وَفِي الْإِنْسَانِ (?) " مِنْ فِضَّةٍ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ" خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ:" يُحَلَّوْنَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ خَفِيفَةً، يُقَالُ: حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ تَحْلَى فَهِيَ حَالِيَةٌ إِذَا لَبِسَتِ الْحُلِيَّ. وَحَلِيَ الشَّيْءُ بِعَيْنَيَّ يَحْلَى، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَالسِّوَارُ سِوَارُ الْمَرْأَةِ، وَالْجَمْعُ أَسْوِرَةٌ، وَجَمْعُ الجمع أساورة. وقرى" فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ (?) ": وَقَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ أَسَاوِرُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى" يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ" قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عُزَيْزٍ: أَسَاوِرُ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ، وَأَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ وَسُوَارٍ، وَهُوَ الَّذِي يُلْبَسُ فِي الذِّرَاعِ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ فَهُوَ قُلْبٌ وَجَمْعُهُ قَلِبَةٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْنٍ أَوْ عَاجٍ فَهِيَ مَسْكَةٌ وَجَمْعُهُ مَسَكٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى قُطْرُبٌ فِي وَاحِدِ الْأَسَاوِرِ إِسْوَارٌ، وَقُطْرُبٌ صَاحِبُ شُذُوذٍ، قَدْ تَرَكَهُ يَعْقُوبُ وغيره فلم يذكره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015