أَرَادَ إِلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ ابْنِ الْهُمَامِ لَيْثِ الْكَتِيبَةِ وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:" ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ" «1» [الانعام: 154] أَيْ بَيَّنَ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ وَالْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَنْجَى هَؤُلَاءِ وَأَغْرَقَ أُولَئِكَ. وَنَظِيرُهُ:" يَوْمَ الْفُرْقانِ". فَقِيلَ: يَعْنِي بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ نَصَرَ اللَّهُ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَأَهْلَكَ أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ. (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنَ الضَّلَالَةِ وَقَدْ تقدم «2».
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) الْقَوْمُ: الْجَمَاعَةُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ" [الحجرات: 11] ثم قال" وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ" [الحجرات: 11] وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
وَقَالَ تَعَالَى:" وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ" [الأعراف: 80] أَرَادَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ. وَقَدْ يَقَعُ الْقَوْمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ" [نوح: 1] وَكَذَا كُلُّ نَبِيٍّ مُرْسَلٌ إِلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا قَوْمِ) مُنَادَى مُضَافٌ وَحُذِفَتِ الْيَاءُ فِي" يَا قَوْمِ" لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَذْفٍ وَالْكَسْرَةُ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ فَحَذَفْتَهَا كَمَا تَحْذِفُ التَّنْوِينَ مِنَ الْمُفْرَدِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ إِثْبَاتُهَا سَاكِنَةً فَتَقُولُ يَا قَوْمِي لِأَنَّهَا اسْمٌ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتَهَا وَإِنْ شِئْتَ أَلْحَقْتَ مَعَهَا هَاءً فَقُلْتَ يَا قَوْمِيَهْ. وَإِنْ شِئْتَ أَبْدَلْتَ مِنْهَا أَلِفًا لِأَنَّهَا أَخَفُّ فَقُلْتَ يَا قَوْمًا وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ يَا قَوْمُ بِمَعْنَى يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ وَإِنْ جَعَلْتَهُمْ نَكِرَةً نَصَبْتَ وَنَوَّنْتَ وَوَاحِدُ الْقَوْمِ امْرُؤٌ عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ وَتَقُولُ قَوْمٌ وَأَقْوَامٌ وَأَقَاوِمُ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْقَوْمِ عَبَدَةُ الْعِجْلِ وَكَانَتْ مُخَاطَبَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لهم بأمر من الله تعالى.