إِنَّ قَوْمًا قَالُوا الْعَدَدُ يَنْتَهِي عِنْدَ الْعَرَبِ إِلَى سَبْعَةٍ، فَإِذَا احْتِيجَ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا اسْتُؤْنِفَ خَبَرٌ آخَرُ بِإِدْخَالِ الْوَاوِ، كَقَوْلِهِ" التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ"- ثُمَّ قَالَ-" وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ (?) ". يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ" حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (?) " بِلَا وَاوٍ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْجَنَّةَ قَالَ: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها بِالْوَاوِ. وَقَالَ" خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ (?) " ثُمَّ قَالَ:" وَأَبْكاراً" فَالسَّبْعَةُ نِهَايَةُ الْعَدَدِ عِنْدَهُمْ كَالْعَشَرَةِ الْآنَ عِنْدَنَا. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ: وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ تَحَكُّمٌ، وَمِنْ أَيْنَ السَّبْعَةُ نِهَايَةٌ عِنْدَهُمْ ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (?) " وَلَمْ يَذْكُرِ الِاسْمَ الثَّامِنَ بِالْوَاوِ. وَقَالَ قَوْمٌ مِمَّنْ صَارَ إِلَى أَنَّ عَدَدَهُمْ سَبْعَةٌ: إِنَّمَا ذَكَرَ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ" سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ" لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ مُبَايِنٌ لِلْأَعْدَادِ الْأُخَرِ الَّتِي قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْكِتَابِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ" رَجْماً بِالْغَيْبِ" وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَقْدَحْ فِيهَا بِشَيْءٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ هُمْ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. وَالرَّجْمُ: الْقَوْلُ بِالظَّنِّ، يُقَالُ لِكُلِّ مَا يُخْرَصُ: رُجِمَ فِيهِ وَمَرْجُومٌ وَمُرَجَّمٌ، كَمَا قَالَ:
وَمَا الْحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ ... وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ (?)
قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزْنَوِيُّ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانُوا ثَمَانِيَةً، وَجَعَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى" وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ" أَيْ صَاحِبُ كَلْبِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي طَرِيقَ النَّحْوِيِّينَ في الواو، وأنها كما قالوا. وقال القشري: لَمْ يَذْكُرِ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: رَابِعُهُمْ سَادِسُهُمْ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ جَائِزًا، فَطَلَبُ الْحِكْمَةِ وَالْعِلَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاوِ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ" وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (?) ". وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ:" إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ. ذِكْرى (?) ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ عِدَّتِهِمْ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ عَالِمَ ذَلِكَ مِنَ الْبَشَرِ قليل. والمراد به قوم من