تفسير القرطبي (صفحة 4100)

الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْبَعْثَةِ بِالْوَرِقِ دَلِيلٌ عَلَى الْوِكَالَةِ وَصِحَّتِهَا. وَقَدْ وَكَّلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخَاهُ عَقِيلًا عِنْدَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا خِلَافَ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَالْوَكَالَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، أَلَا تَرَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ وَكَّلَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بِأَهْلِهِ وَحَاشِيَتِهِ بِمَكَّةَ، أَيْ يَحْفَظُهُمْ، وَأُمَيَّةُ مُشْرِكٌ، وَالْتَزَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِأُمَيَّةَ مِنْ حِفْظِ حَاشِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ مِثْلَ ذَلِكَ مُجَازَاةً لِصُنْعِهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظُهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ، قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: صَاغِيَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَيْهِ وَيَأْتُونَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ صَغَا يَصْغُو وَيَصْغَى إِذَا مَالَ، وَكُلُّ مَائِلٍ إِلَى الشَّيْءِ أَوْ مَعَهُ فَقَدْ صَغَا إِلَيْهِ وَأَصْغَى، مِنْ كِتَابِ الْأَفْعَالِ. الرَّابِعَةُ- الْوَكَالَةُ عَقْدُ نِيَابَةٍ، أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَقِيَامِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، إِذْ لَيْسَ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِ أُمُورِهِ إلا بمعونة من غيره أو يترفه فَيَسْتَنِيبُ مَنْ يُرِيحُهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى صِحَّتِهَا بِآيَاتٍ مِنَ الْكِتَابِ، مِنْهَا هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالْعامِلِينَ عَلَيْها (?) " وَقَوْلُهُ" اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا (?) ". وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ فَأَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الانعام (?). روى جبر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ: (إِذَا أَتَيْتُ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ (?) " خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. والأحاديث كثيرة في هذه الْمَعْنَى، وَفِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِهَا كِفَايَةٌ. الْخَامِسَةُ- الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، فَلَوْ وَكَّلَ الْغَاصِبَ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ هُوَ الْوَكِيلُ، لِأَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ فِعْلُهُ لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ. السَّادِسَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْوَكَالَةَ إِنَّمَا كانت مع التقية خوف أن يشعر بعم أَحَدٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ عَلَى أنفسهم. وجواز توكيل ذوى العذر متفق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015