قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) أَيْ خَزَائِنَ الْأَرْزَاقِ. وَقِيلَ: خَزَائِنَ النِّعَمِ، وَهَذَا أَعَمُّ. (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) مِنَ الْبُخْلِ، وَهُوَ جَوَابُ قَوْلِهِمْ:" لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً" حَتَّى نَتَوَسَّعَ فِي الْمَعِيشَةِ. أَيْ لَوْ تَوَسَّعْتُمْ لَبَخِلْتُمْ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ مَلَكَ أَحَدُ الْمَخْلُوقِينَ خَزَائِنَ اللَّهِ لَمَا جَادَ بِهَا كَجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهَا لِنَفَقَتِهِ وَمَا يَعُودُ بِمَنْفَعَتِهِ. الثَّانِي- أَنَّهُ يَخَافُ الْفَقْرَ وَيَخْشَى الْعَدَمَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى فِي جُودِهِ عَنْ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. وَالْإِنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الْفَقْرِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ. وَحَكَى أَهْلُ اللُّغَةِ أَنْفَقَ وَأَصْرَمَ وَأَعْدَمَ وَأَقْتَرَ إِذَا قَلَّ مَالُهُ. (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أَيْ بَخِيلًا مُضَيِّقًا. يُقَالُ: قَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ يَقْتُرُ وَيُقْتِرُ قَتْرًا وَقُتُورًا إِذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ التَّقْتِيرُ وَالْإِقْتَارُ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ. وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَالثَّانِي- أَنَّهَا عَامَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الجمهور، وذكره الماوردي.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى آيَاتُ الْكِتَابِ، كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ أَنَّ يَهُودِيَّيْنِ قَالَ أَحَدَهُمَا لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ نَسْأَلْهُ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ لَهُ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَنَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تسحروا ولا تمشوا ببري إلى السلطان فَيَقْتُلَهُ وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ- شَكَّ شُعْبَةُ- وَعَلَيْكُمْ [يَا مَعْشَرَ] الْيَهُودِ خَاصَّةً أَلَّا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ" فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نبى. قال: