فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) تقدم الكلام فيه أيضا في الانعام «1». وَتَقْتَضِي هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ الْكَيْلَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" يُوسُفَ" فَلَا مَعْنَى للإعادة «2». وَالْقِسْطَاسُ (بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا): الْمِيزَانُ بِلُغَةِ الرُّومِ، قَالَهُ ابْنُ عُزَيْزٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقِسْطَاسُ: الْمِيزَانُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ، وَكَانَ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ رُومِيَّةٌ، وَكَأَنَّ النَّاسَ قِيلَ لَهُمْ: زِنُوا بِمَعْدَلَةٍ فِي وَزْنِكُمْ «3». وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ" الْقُسْطَاسُ" بِضَمِّ الْقَافِ. وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ (بِالْقِسْطاسِ) «4» (بِكَسْرِ الْقَافِ) وَهُمَا لُغَتَانِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
أَيْ وَفَاءُ الْكَيْلِ وَإِقَامَةُ الْوَزْنِ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ «5» وَأَبْرَكُ. (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أَيْ عَاقِبَةً. قَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ لَيْسَ لَدَيْهِ إِلَّا مَخَافَةَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ".
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36)
فيه ست مسائل: الاولى- قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ) أَيْ لَا تَتْبَعُ مَا لَا تَعْلَمُ وَلَا يَعْنِيكَ. قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ رَأَيْتُ وَأَنْتَ لَمْ تَرَ، وَسَمِعْتَ وَأَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ، وَعَلِمْتَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْلَمْ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَذُمَّ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ شَهَادَةُ الزُّورِ. وقال القتبي: المعنى لا تتبع الحدس