مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
فِيهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها" فَكَانَ مُبَالَغَةً فِي الْوَصْفِ بِالْكَذِبِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَرْتَدُّوا عَنْ بَيْعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَيْ مَنْ كَفَرَ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ وَارْتَدَّ فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي سرح ومقيس بن ضبابة وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ «1»، وَقَيْسِ بْنِ الْوَلِيدِ بن المغيرة، كفروا بعد إيمانهم. ثم قال: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ). وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ" بَدَلٌ مِمَّنْ يَفْتَرِي الْكَذِبَ، أَيْ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ، لِأَنَّهُ رَأَى الْكَلَامَ إِلَى آخِرِ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ تَامٍّ فَعَلَّقَهُ بِمَا قَبْلَهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:" مَنْ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، اكْتُفِيَ مِنْهُ بِخَبَرٍ" مَنِ" الثَّانِيَةِ، كَقَوْلِكَ: مَنْ يَأْتِنَا مَنْ يُحْسِنُ نُكْرِمْهُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، لِأَنَّهُ قَارَبَ بَعْضَ مَا نَدَبُوهُ إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَخَذُوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ سُمَيَّةَ وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَخَبَّابًا وَسَالِمًا فَعَذَّبُوهُمْ، وَرُبِطَتْ سُمَيَّةُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَوُجِئَ قُبُلُهَا بِحَرْبَةٍ، وَقِيلَ لَهَا إِنَّكِ أَسْلَمْتِ مِنْ أَجْلِ الرِّجَالِ، فَقُتِلَتْ وَقُتِلَ زَوْجُهَا يَاسِرٌ، وَهُمَا أَوَّلُ قَتِيلَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا عَمَّارٌ فَأَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ"؟ قَالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ". وَرَوَى مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَوَّلُ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ أم عمار، قتلها أبو جهل، وأول