تفسير القرطبي (صفحة 3825)

أَيْ مَا يَنَالُونَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابِ الْجَنَّةِ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، لِفَنَائِهَا وَبَقَاءِ الْآخِرَةِ. (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) فِيهِ وَجْهَانِ- قَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُمْ نَالُوا بِالْعَمَلِ فِيهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ الْآخِرَةُ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بَدَلًا مِنَ الدَّارِ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ. وَقِيلَ: ارْتَفَعَ عَلَى تَقْدِيرِ هِيَ جَنَّاتٌ، فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لِقَوْلِهِ:" دارُ الْمُتَّقِينَ". أَوْ تَكُونُ مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِدَاءِ، التَّقْدِيرُ: جَنَّاتُ عَدْنٍ نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ. (يَدْخُلُونَها) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، أَيْ مَدْخُولَةٌ. وَقِيلَ:" جَنَّاتُ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ" يَدْخُلُونَها" وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ قَوْلُ الحسن. والله أعلم. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) تقدم معناه في البقرة (?). (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أَيْ مِمَّا تَمَنَّوْهُ وَأَرَادُوهُ. (كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) أَيْ مِثْلُ هَذَا الْجَزَاءِ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ. (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ" يَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْيَاءِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِنَاثٌ فَذَكِّرُوهُمْ أَنْتُمْ. الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ به الجماعة من الملائكة. و" طَيِّبِينَ" طَاهِرِينَ مِنَ الشِّرْكِ. الثَّانِي- صَالِحِينَ. الثَّالِثُ- زَاكِيَةٌ أَفْعَالُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ. الرَّابِعُ- طَيِّبِينَ الْأَنْفُسِ ثِقَةً بِمَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى. الْخَامِسُ- طَيِّبَةٌ نُفُوسُهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ. السَّادِسُ-" طَيِّبِينَ" أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُمْ طَيِّبَةً سَهْلَةً لَا صُعُوبَةَ فِيهَا وَلَا أَلَمَ، بِخِلَافِ مَا تُقْبَضُ بِهِ رُوحُ الْكَافِرِ وَالْمُخَلِّطِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ إِنْذَارًا لَهُمْ بِالْوَفَاةِ. الثَّانِي- أَنْ يَكُونَ تَبْشِيرًا لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، لِأَنَّ السَّلَامَ أَمَانٌ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي حَيْوَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ (?) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: إِذَا اسْتَنْقَعَتْ (?) نَفْسُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَلِيَّ اللَّهِ اللَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ. ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015