تفسير القرطبي (صفحة 3808)

بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ. الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ برفع" وَالنُّجُومُ"،" مُسَخَّراتٌ" خبره. وقرى" وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ" بالنصب. (عطفا على الليل والنهار، ورفع والنجوم على الابتداء «1»." مُسَخَّراتٌ" بِالرَّفْعِ، وَهُوَ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ) أَيْ في مُسَخَّرَاتٌ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ نَصَبَهَا حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ، كَقَوْلِهِ:" وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً «2» ". (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي عَنِ اللَّهِ مَا نَبَّهَهُمْ عَلَيْهِ وَوَفَّقَهُمْ لَهُ.

[سورة النحل (16): آية 13]

وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما ذَرَأَ) أَيْ وَسَخَّرَ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ لَكُمْ." ذَرَأَ" أَيْ خَلَقَ، ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا خَلَقَهُمْ، فَهُوَ ذَارِئٌ، وَمِنْهُ الذُّرِّيَّةُ وَهِيَ نَسْلُ الثَّقَلَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ تَرَكَتْ هَمْزَهَا، وَالْجَمْعُ الذَّرَارِيُّ. يُقَالُ: أَنْمَى اللَّهُ ذَرْأَكَ وَذَرْوَكَ، أَيْ ذُرِّيَّتَكَ. وَأَصْلُ الذَّرْوِ وَالذَّرْءِ التَّفْرِيقُ عَنْ جَمْعٍ. وَفِي الْحَدِيثِ «3» " ذَرْءُ النَّارِ" أَيْ أَنَّهُمْ خُلِقُوا لَهَا. الثَّانِيَةُ- مَا ذَرَأَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُ مُسَخَّرٌ مُذَلَّلٌ كَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَالْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ العظيم الذي ليس شي أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ. وَفِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ هذا الموضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015