تفسير القرطبي (صفحة 38)

باب ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته

قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ:" فَمِنْ حُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَلَّا يَمَسَّهُ إلا طاهرا. ومن حرمته أن يقرأه على طهارة. ومن حرمته أن يستاك ويتحلل فَيُطَيِّبَ فَاهُ، إِذْ هُوَ طَرِيقُهُ. قَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ مِنْ طُرُقِ الْقُرْآنِ، فَطَهِّرُوهَا وَنَظِّفُوهَا مَا اسْتَطَعْتُمْ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَتَلَبَّسَ (?) كَمَا يَتَلَبَّسُ لِلدُّخُولِ عَلَى الْأَمِيرِ لِأَنَّهُ مُنَاجٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِقِرَاءَتِهِ. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ إِذَا قَرَأَ اعْتَمَّ وَلَبِسَ وَارْتَدَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ كُلَّمَا تَنَخَّعَ (?). رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَوْرٌ (?) إِذَا تَنَخَّعَ مَضْمَضَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الذِّكْرِ، وَكَانَ كُلَّمَا تَنَخَّعَ مضمض. ومن حرمته إذا تثائب أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ إِذَا قَرَأَ فَهُوَ مُخَاطِبٌ رَبَّهُ وَمُنَاجٍ، وَالتَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا تَثَاءَبْتَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَمْسِكْ عَنِ الْقُرْآنِ تَعْظِيمًا حَتَّى يَذْهَبَ تَثَاؤُبُكَ. وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. يُرِيدُ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ إِجْلَالًا لِلْقُرْآنِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ لِلْقِرَاءَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيَقْرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إن كان ابتدأ قِرَاءَتِهِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ إِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَقْطَعْهَا سَاعَةً فَسَاعَةً بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَخْلُوَ بِقِرَاءَتِهِ حَتَّى لَا يَقْطَعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِكَلَامٍ فَيَخْلِطُهُ بِجَوَابِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ سُلْطَانُ الِاسْتِعَاذَةِ الَّذِي اسْتَعَاذَ فِي الْبِدْءِ. وَمِنْ حرمته أن يراه عَلَى تُؤَدَةٍ وَتَرْسِيلٍ وَتَرْتِيلٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِ ذِهْنَهُ وَفَهْمَهُ حَتَّى يَعْقِلَ مَا يُخَاطَبُ بِهِ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَقِفَ عَلَى آيَةِ الْوَعْدِ فَيَرْغَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى آيَةِ الْوَعِيدِ فَيَسْتَجِيرُ بِاللَّهِ مِنْهُ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَقِفَ على أمثاله فيتمثلها. وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يَلْتَمِسَ غَرَائِبَهُ (?). وَمِنْ حُرْمَتِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِكُلِّ حَرْفِ حَقَّهُ مِنَ الْأَدَاءِ حتى يبرز الكلام باللفظ تماما، فإن بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ. وَمِنْ حُرْمَتِهِ إِذَا انْتَهَتْ قِرَاءَتُهُ أَنْ يُصَدِّقَ رَبَّهُ، وَيَشْهَدَ بِالْبَلَاغِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015