تفسير القرطبي (صفحة 3789)

تفسير سورة النحل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّحْلِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ. وَتُسَمَّى سُورَةُ النِّعَمِ بِسَبَبِ مَا عَدَّدَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ. وَقِيلَ: هِيَ مَكِّيَّةٌ غَيْرَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ «1» بِهِ" الْآيَةَ، نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ التَّمْثِيلِ بِحَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ. وَغَيْرَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ «2» ". وَغَيْرَ قَوْلِهِ:" ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا «3» " الْآيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:" وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا «4» " فَمَكِّيٌّ، فِي شَأْنِ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ قَتْلِ حَمْزَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ:" وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا- إِلَى قَوْلِهِ- بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ «5» "

[سورة النحل (16): آية 1]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (?)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) قِيلَ:" أَتى " بِمَعْنَى يَأْتِي، فَهُوَ كَقَوْلِكَ: إِنْ أَكْرَمْتَنِي أَكْرَمْتُكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إِخْبَارَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ آتٍ لَا مَحَالَةَ، كَقَوْلِهِ:" وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ «6» ". وَ" أَمْرُ اللَّهِ" عِقَابُهُ لِمَنْ أَقَامَ عَلَى الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ. قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّهُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ فَرَائِضِهِ وَأَحْكَامِهِ. وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ اسْتَعْجَلَ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مُسْتَعْجِلُو الْعَذَابِ وَالْعِقَابِ فَذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ كفار قريش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015