(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) أَيْ لِلزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ. وَقِيلَ: أَيْ لِأُجَازِيَ الْمُحْسِنَ وَالْمُسِيءَ، كَمَا قَالَ:" وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا «1» بِالْحُسْنَى". (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) أَيْ لَكَائِنَةٌ فَيُجْزَى كُلٌّ بِعَمَلِهِ. (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) مِثْلُ" وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا «2» " أي تجاوز عنهم يا محمد، وأعفو عَفْوًا حَسَنًا، ثُمَّ نُسِخَ بِالسَّيْفِ. قَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَهُ قَوْلُهُ:" فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ «3» ". وَأَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فال لَهُمْ:" لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ وَبُعِثْتُ بِالْحَصَادِ «4» وَلَمْ أُبْعَثْ بِالزِّرَاعَةِ"، قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: لَيْسَ بمنسوخ، وأنه أمر بالصفح في نَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) أَيِ الْمُقَدِّرُ لِلْخَلْقِ وَالْأَخْلَاقِ «5». الْعَلِيمُ بِأَهْلِ الْوِفَاقِ وَالنِّفَاقِ.
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّبْعِ الْمَثَانِي، فَقِيلَ: الْفَاتِحَةُ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبَى طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ، مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ «6». وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي". قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا نَصٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَةِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَشَدْتُكُمْ بِمُنَزِّلِ الْقُرْآنِ ... أُمِّ الْكِتَابِ السَّبْعِ مِنْ مَثَانِي
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ السَّبْعُ الطُّوَلُ: الْبَقَرَةُ، وَآلُ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءُ، وَالْمَائِدَةُ، وَالْأَنْعَامُ، وَالْأَعْرَافُ، وَالْأَنْفَالُ وَالتَّوْبَةُ مَعًا، إِذْ ليس بينهما التسمية. روى النسائي