تفسير القرطبي (صفحة 3752)

[سورة الحجر (15): آية 40]

إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)

قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيِ الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ وَأَخْلَصْتَهُمْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيِ الَّذِينَ أَخْلَصُوا لَكَ الْعِبَادَةَ مِنْ فَسَادٍ أَوْ رِيَاءٍ. حَكَى أَبُو ثُمَامَةَ أَنَّ الْحَوَارِيِّينَ سَأَلُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمُخْلَصِينَ لِلَّهِ فَقَالَ:" الَّذِي يعمل ولا يحب أن يحمده الناس".

[سورة الحجر (15): آية 41]

قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَعْنَاهُ هَذَا صِرَاطٌ يَسْتَقِيمُ بِصَاحِبِهِ حَتَّى يَهْجُمَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ. الْحَسَنُ:" عَلَيَّ" بِمَعْنَى إِلَيَّ. مُجَاهِدٌ وَالْكِسَائِيُّ: هَذَا عَلَى الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، كَقَوْلِكَ لِمَنْ تُهَدِّدَهُ: طَرِيقُكَ عَلَيَّ وَمَصِيرُكَ إِلَيَّ. وَكَقَوْلِهِ:" إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ «1» ". فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا طَرِيقٌ مَرْجِعُهُ إِلَيَّ فَأُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ، يَعْنِي طَرِيقَ الْعُبُودِيَّةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى عَلَيَّ أَنْ أَدُلَّ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِالْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ. وَقِيلَ: بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ وَأَبُو رَجَاءٍ وَحُمَيْدٌ وَيَعْقُوبُ" هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ" بِرَفْعِ" عَلِيٌّ" وَتَنْوِينِهِ، وَمَعْنَاهُ رَفِيعٌ مُسْتَقِيمٌ، أَيْ رَفِيعٌ فِي الدِّينِ وَالْحَقِّ. وَقِيلَ: رَفِيعٌ أَنْ يُنَالَ، مُسْتَقِيمٌ أن يمال.

[سورة الحجر (15): آية 42]

إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42)

الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) قَالَ الْعُلَمَاءَ: يَعْنِي عَلَى قُلُوبِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَيْ فِي أَنْ يُلْقِيَهُمْ فِي ذَنْبٍ يَمْنَعُهُمْ عَفْوِي وَيُضَيِّقُهُ عَلَيْهِمْ. وَهَؤُلَاءِ الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015