تفسير القرطبي (صفحة 3750)

لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِنْسِ وَغَيْرِ الْجِنْسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلًا سَلاماً «1» سَلاماً" فَاسْتَثْنَى السَّلَامَ مِنْ جُمْلَةِ اللَّغْوِ. وَمِثْلُهُ" فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ" وَإِبْلِيسُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ «2» رَبِّهِ". وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ

فَاسْتَثْنَى الْيَعَافِيرَ وَهِيَ ذُكُورُ الظِّبَاءِ، وَالْعِيسُ وَهِيَ الْجِمَالُ الْبِيضُ من الأنيس، ومثله قول النَّابِغَةُ «3»:

حَلَفْتُ يَمِينًا غَيْرَ ذِي مَثْنَوِيَّةٍ ... وَلَا علم إلا حسن ظن بصاحب

[سورة الحجر (15): الآيات 32 الى 35]

قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ) أَيْ مَا الْمَانِعُ لَكَ. (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أَيْ فِي أَلَّا تَكُونَ. (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) بَيَّنَ تَكَبُّرَهُ وَحَسَدَهُ، وَأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ، إِذْ هُوَ مِنْ نَارٍ وَالنَّارُ تَأْكُلُ الطِّينَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي" الْأَعْرَافِ «4» " بَيَانُهُ. (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي من السموات، أَوْ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ، أَوْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ. (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أَيْ مَرْجُومٌ بِالشُّهُبِ. وَقِيلَ: مَلْعُونٌ مَشْئُومٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ مُسْتَوْفًى فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ. (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) أَيْ لعنتي، كما في سورة" ص «5» ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015