تفسير القرطبي (صفحة 3745)

[سورة الحجر (15): آية 25]

وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) أَيْ للحساب والجزاء. (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) تقدم «1».

[سورة الحجر (15): آية 26]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (مِنْ صَلْصالٍ). أَيْ مِنْ طِينٍ يَابِسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَالصَّلْصَالُ: الطِّينُ الْحُرُّ خُلِطَ بِالرَّمْلِ فَصَارَ يَتَصَلْصَلُ إِذَا جَفَّ، فَإِذَا طُبِخَ بِالنَّارِ فَهُوَ الْفَخَّارُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَأَنْشَدَ أَهْلُ اللُّغَةِ:

كَعَدْوِ الْمُصَلْصِلِ الْجَوَّالِ «2»

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الطِّينُ الْمُنْتِنُ، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيُّ. قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ إِذَا أَنْتَنَ- مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا- يَصِلُّ صُلُولًا. قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

ذَاكَ فَتًى يَبْذُلُ ذَا قِدْرِهِ ... لَا يُفْسِدُ اللَّحْمَ لَدَيْهِ الصُّلُولُ

وَطِينٌ صَلَّالٌ وَمِصْلَالٌ، أَيْ يُصَوِّتُ إِذَا نَقَرْتَهُ كَمَا يُصَوِّتُ الْحَدِيدُ. فَكَانَ أَوَّلَ تُرَابًا، أَيْ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ ثُمَّ بُلَّ فَصَارَ طِينًا، ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ فَصَارَ حَمَأً مَسْنُونًا، أَيْ مُتَغَيِّرًا، ثُمَّ يَبَسَ فَصَارَ صَلْصَالًا، عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" بَيَانُ «3» هَذَا. وَالْحَمَأُ: الطِّينُ الأسود، وكذلك الحمأة بالتسكين، تقول منه: حميت البئر حمأ (بالتسكين) إذا نزعت حماتها. وحميت الْبِئْرُ حَمَأً (بِالتَّحْرِيكِ) كَثُرَتْ حَمْأَتُهَا. وَأَحْمَأْتُهَا إِحْمَاءً أَلْقَيْتُ الْحَمْأَةَ، عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحَمْأَةُ (بِسُكُونِ الْمِيمِ) مِثْلُ الْكَمْأَةِ. وَالْجَمْعُ حمأ، مِثْلَ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ. وَالْحَمَأُ الْمَصْدَرُ، مِثْلُ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ. وَالْمَسْنُونُ الْمُتَغَيِّرُ. قَالَ ابن عباس: (هو التراب المبتل المنتن،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015