أَلَا رُبَّمَا أَهْدَتْ لَكَ الْعَيْنُ نَظْرَةً ... قُصَارَاكَ مِنْهَا أَنَّهَا عَنْكَ لَا تُجْدِي «1»
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هي للتقليل فهذا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا فِي كُلِّهَا، لِشُغْلِهِمْ بِالْعَذَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ:" رُبَما يَوَدُّ" وَهِيَ إِنَّمَا تَكُونُ لِمَا وَقَعَ، لِأَنَّهُ لِصِدْقِ الْوَعْدِ كَأَنَّهُ عِيَانٌ قَدْ كَانَ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ فَيَكُونُونَ فِي النَّارِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونُوا ثُمَّ يُعَيِّرُهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ فَيَقُولُونَ مَا نَرَى مَا كُنْتُمْ تُخَالِفُونَا فِيهِ مِنْ تَصْدِيقِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ نَفَعَكُمْ فَلَا يَبْقَى مُوَحِّدٌ إِلَّا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ- ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ". قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا رَأَى الْمُشْرِكُونَ المسلمين وقد دخلوا الجنة وما رأوهم فِي النَّارِ تَمَنَّوْا أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا التَّمَنِّي إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ فِي الدُّنْيَا حِينَ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالَةِ. وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ إِذَا رَأَوْا كَرَامَةَ المؤمنين وذل الكافرين.
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) تَهْدِيدٌ لَهُمْ. (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) أَيْ يَشْغَلُهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ. يُقَالُ: أَلْهَاهُ عَنْ كَذَا أَيْ شَغَلَهُ. وَلَهِيَ هُوَ عَنِ الشَّيْءِ يَلْهَى. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)
إِذَا رَأَوُا الْقِيَامَةَ وَذَاقُوا وَبَالَ مَا صَنَعُوا. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالسَّيْفِ. الثَّانِيَةُ- فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسَاوَةُ الْقَلْبِ وَطُولُ الْأَمَلِ والحرص على الدنيا". وطول الأمل داء