تفسير القرطبي (صفحة 3651)

عُقْبَى الدَّارِ

" وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الشُّهَدَاءَ، فإذا أتى فرضة الشعب «1» يقول:" سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ". ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ يَفْعَلُهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ بَعْدَ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:" بِما صَبَرْتُمْ" عَنْ فُضُولِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ:" بِما صَبَرْتُمْ" عَلَى مُلَازَمَةِ الطَّاعَةِ، وَمُفَارَقَةِ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ مَعْنَاهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ. ابْنُ زَيْدٍ:" بِما صَبَرْتُمْ" عَمَّا تُحِبُّونَهُ إِذَا فَقَدْتُمُوهُ. وَيَحْتَمِلُ سَابِعًا-" بِما صَبَرْتُمْ" عَنِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [أَنَّهُمَا قَالَا] «2»: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَقُمْ أَهْلُ الصَّبْرِ، فَيَقُومُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمُ: انْطَلِقُوا إِلَى الْجَنَّةِ فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُونَ: إِلَى أَيْنَ؟ فَيَقُولُونَ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالُوا: قَبْلَ الْحِسَابِ؟ قَالُوا نَعَمْ! فَيَقُولُونَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ، قَالُوا: وَمَا كَانَ صَبْرُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَرْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَبَرْنَاهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَصَبَرْنَاهَا عَلَى الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ فِي الدُّنْيَا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: فَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ:" سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" أَيْ نِعْمَ عَاقِبَةُ الدَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ فِيهَا، عَمِلْتُمْ فِيهَا مَا أَعْقَبَكُمْ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ، فَالْعُقْبَى عَلَى هَذَا اسْمٌ، و" الدَّارِ" هِيَ الدُّنْيَا. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ:" فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" الْجَنَّةُ عَنِ النَّارِ. وَعَنْهُ:" فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" الجنة عن الدنيا.

[سورة الرعد (13): الآيات 25 الى 26]

وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (26)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015