تفسير القرطبي (صفحة 3542)

[سورة يوسف (12): آية 48]

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَبْعٌ شِدادٌ) يَعْنِي السِّنِينَ الْمُجْدِبَاتِ. (يَأْكُلْنَ) مَجَازٌ، وَالْمَعْنَى يَأْكُلُ أَهْلُهُنَّ. (مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ) أَيْ مَا ادَّخَرْتُمْ لِأَجْلِهِنَّ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:

نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمُ

وَالنَّهَارُ لَا يَسْهُو، وَاللَّيْلُ لَا يَنَامُ، وَإِنَّمَا يُسْهَى فِي النَّهَارِ، وَيُنَامُ فِي اللَّيْلِ. وَحَكَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ يُوسُفَ كَانَ يَضَعُ طَعَامَ الِاثْنَيْنِ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَأْكُلُ بَعْضُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ قَرَّبَهُ لَهُ فَأَكَلَهُ كُلَّهُ، فَقَالَ يُوسُفُ: هَذَا أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ السَّبْعِ الشِّدَادِ. (إِلَّا قَلِيلًا) نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ. (مِمَّا تُحْصِنُونَ) أَيْ مِمَّا تَحْبِسُونَ لِتَزْرَعُوا، لِأَنَّ فِي اسْتِبْقَاءِ الْبَذْرِ تَحْصِينُ الْأَقْوَاتِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تُحْرِزُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ:" تُحْصِنُونَ" تَدَّخِرُونَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ احْتِكَارِ الطَّعَامِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ «1». الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي صِحَّةِ رُؤْيَا الْكَافِرِ، وَأَنَّهَا تَخْرُجُ عَلَى حَسَبِ مَا رَأَى، لَا سِيَّمَا إِذَا تَعَلَّقَتْ بِمُؤْمِنٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ آيَةً لِنَبِيٍّ. وَمُعْجِزَةً لِرَسُولٍ، وَتَصْدِيقًا لِمُصْطَفًى للتبليغ، وحجة للواسطة بين الله- جل جلال-[وبين «2»] عباده.

[سورة يوسف (12): آية 49]

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ) هَذَا خَبَرٌ مِنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي رُؤْيَا الْمَلِكِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي أَتَاهُ اللَّهُ. قَالَ قَتَادَةُ: زَادَهُ اللَّهُ علم سنة لم يسألوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015