تفسير القرطبي (صفحة 3500)

وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمَعْنَاهُ اسْتِكْمَالُ الْقُوَّةِ ثُمَّ يَكُونُ النُّقْصَانُ بَعْدُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْأَشُدُّ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقَالَ رَبِيعَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: الْأَشُدُّ بُلُوغُ الْحُلُمِ، وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي" النِّسَاءِ" «1» وَ" الْأَنْعَامِ" «2» مُسْتَوْفًى. (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) قِيلَ: جَعَلْنَاهُ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْحُكْمِ، فَكَانَ يَحْكُمُ فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ، أَيْ وَآتَيْنَاهُ عِلْمًا بِالْحُكْمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ وَالنُّبُوَّةُ. وَقِيلَ: الْحُكْمُ النُّبُوَّةُ، وَالْعِلْمُ عِلْمُ الدِّينِ، وَقِيلَ: عِلْمُ الرُّؤْيَا، وَمَنْ قَالَ: أُوتِيَ النُّبُوَّةَ صَبِيًّا قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ زِدْنَاهُ فَهْمًا وَعِلْمًا. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: الصَّابِرِينَ عَلَى النَّوَائِبِ كَمَا صَبَرَ يُوسُفُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ ظَاهِرًا عَلَى كُلِّ مُحْسِنٍ فَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كَمَا فَعَلْتُ هَذَا بِيُوسُفَ بَعْدَ أَنْ قَاسَى مَا قَاسَى ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ مَا أَعْطَيْتُهُ، كَذَلِكَ أُنْجِيكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَكَ بِالْعَدَاوَةِ، وَأُمَكِّنُ لَكَ في الأرض.

[سورة يوسف (12): الآيات 23 الى 24]

وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) وَهِيَ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُوَاقِعَهَا. وَأَصْلُ الْمُرَاوَدَةِ الْإِرَادَةُ وَالطَّلَبُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ. وَالرَّوْدُ وَالرِّيَادُ طَلَبُ الْكَلَأِ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ رُوَيْدٍ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَمْشِي رُوَيْدًا، أَيْ بِرِفْقٍ، فالمراودة الرفق في الطلب، يقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015