أَيْ مَا أُرِيدُ إِلَّا فِعْلَ الصَّلَاحِ، أَيْ أَنْ تُصْلِحُوا دُنْيَاكُمْ بِالْعَدْلِ وَآخِرَتَكُمْ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ:" مَا اسْتَطَعْتُ" لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مِنْ شُرُوطِ الْفِعْلِ دون الإرادة. و" ما" مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ إِنْ أُرِيدَ إِلَّا الْإِصْلَاحَ جَهْدِي وَاسْتِطَاعَتِي." (وَما تَوْفِيقِي) " أَيْ رُشْدِي، وَالتَّوْفِيقُ الرُّشْدُ." (إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) " أَيِ اعْتَمَدْتُ." (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) " أَيْ أَرْجِعُ فِيمَا يَنْزِلُ بِي مِنْ جَمِيعِ النَّوَائِبِ. وَقِيلَ: إِلَيْهِ أَرْجِعُ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْإِنَابَةَ الدُّعَاءُ، وَمَعْنَاهُ وَلَهُ أَدْعُو. قَوْلُهُ تَعَالَى:" (وَيا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ) " وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ" يُجْرِمَنَّكُمْ". (شِقاقِي) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. (أَنْ يُصِيبَكُمْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ مُعَادَاتِي عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ فَيُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ الْكُفَّارَ [قَبْلَكُمْ (?)] قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ لَا: يُكْسِبَنَّكُمْ شِقَاقِي إِصَابَتَكُمُ الْعَذَابَ، كَمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى" يَجْرِمَنَّكُمْ" فِي" الْمَائِدَةِ" (?) وَ" الشِّقَاقُ" في" البقرة" (?) وهو بِمَعْنَى الْعَدَاوَةِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٍ عَنِّي (?) رَسُولًا ... فَكَيْفَ وَجَدْتُمْ طَعْمَ الشِّقَاقِ
وَقَالَ الْحَسَنُ [الْبَصْرِيُّ] (?): إِضْرَارِي. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِرَاقِي. (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ. وَقِيلَ: وَمَا دِيَارُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، أَيْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ الْبَعِيدَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَيْ دُورُهُمْ فِي دُورِكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) تَقَدَّمَ (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) اسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي كِتَابِ" الْأَسْنَى فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى". قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوُدُّهُ وُدًّا إِذَا أَحْبَبْتُهُ، وَالْوَدُودُ الْمُحِبُّ، وَالْوَدُّ وَالْوِدُّ وَالْوُدُّ وَالْمَوَدَّةُ الْمَحَبَّةُ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ شُعَيْبًا قَالَ:" ذَاكَ خَطِيبُ الأنبياء".