مَسْأَلَةٌ- قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ مِمَّا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَعُذِّبُوا لِأَجْلِهِ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، كَانُوا يَقْرِضُونَ مِنْ أَطْرَافِ الصِّحَاحِ لِتَفْضُلَ لَهُمُ الْقِرَاضَةُ، وَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ عَلَى الصِّحَاحِ عَدًّا، وَعَلَى الْمَقْرُوضَةِ وَزْنًا، وَكَانُوا يَبْخَسُونَ فِي الْوَزْنِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، وَكَذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِمَا، وَكَسْرُهُمَا ذَنْبٌ عَظِيمٌ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُكْسَرَ سَكَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةُ بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَأْسٍ، فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ صِحَاحًا قَامَ مَعْنَاهَا، وَظَهَرَتْ فَائِدَتُهَا، وَإِذَا كُسِرَتْ صَارَتْ سِلْعَةً، وَبَطَلَتْ مِنْهَا الْفَائِدَةُ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ، بِالنَّاسِ، وَلِذَلِكَ حَرُمَ. وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ" (?) [النمل: 48] أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْسِرُونَ الدَّرَاهِمَ، قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: زَعَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَصْبَغُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جُنَادَةَ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْعُتَقِيِّ: مَنْ كَسَرَهَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اعْتَذَرَ بِالْجَهَالَةِ لَمْ يُعْذَرْ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعِ عُذْرٍ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا قَوْلُهُ: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَلِأَنَّهُ أَتَى كَبِيرَةً، وَالْكَبَائِرُ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ دُونَ الصَّغَائِرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ بِالْجَهَالَةِ فِي هَذَا فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيِّنٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ الْعُذْرُ إِذَا ظَهَرَ الصِّدْقُ فِيهِ، أَوْ خَفِيَ وَجْهُ الصِّدْقِ فِيهِ، وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَ بِهِ مِنَ الْعَبْدِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. مَسْأَلَةٌ: إِذَا كَانَ هَذَا مَعْصِيَةً وَفَسَادًا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَمَرَّ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِرَجُلٍ قَدْ جُلِدَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ رَجُلٌ: يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: هَذَا مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلَمْ يُنْكِرْ جَلْدَهُ، وَنَحْوُهُ عن سفيان. وقال أبو عبد الرحمن النجيبي: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ (?) فَأُتِيَ بِرَجُلٍ [يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ] (?) وَقَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ وَحَلَقَهُ، وَأُمِرَ فَطِيفَ بِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا جزاء من يقطع