تفسير القرطبي (صفحة 3348)

الْحِينِ وَالسِّنِينَ بِالْأُمَّةِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ تَكُونُ فِيهَا. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالْمَعْنَى إِلَى مَجِيءِ أُمَّةٍ لَيْسَ فِيهَا مَنْ يُؤْمِنُ فَيَسْتَحِقُّونَ الْهَلَاكَ. أَوْ إِلَى انْقِرَاضِ أُمَّةٍ فِيهَا مَنْ يُؤْمِنُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ انْقِرَاضِهَا مَنْ يُؤْمِنُ. وَالْأُمَّةُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ: فَالْأُمَّةُ تَكُونُ الْجَمَاعَةَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ" «1» [القصص: 23]. وَالْأُمَّةُ أَيْضًا اتَبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَالْأُمَّةُ الرَّجُلُ الْجَامِعُ لِلْخَيْرِ الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً" «2» [النحل: 120]. وَالْأُمَّةُ الدِّينُ وَالْمِلَّةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ" «3» [الزخرف: 22]. وَالْأُمَّةُ الْحِينُ وَالزَّمَانُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ" وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى:" وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ" «4» [يوسف: 45] وَالْأُمَّةُ الْقَامَةُ، وَهُوَ طُولُ الْإِنْسَانِ وَارْتِفَاعُهُ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: فُلَانٌ حَسَنُ الْأُمَّةِ أَيِ الْقَامَةِ. وَالْأُمَّةُ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ بِدِينِهِ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يُبْعَثُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً وَحْدَهُ" «5». وَالْأُمَّةُ الْأُمُّ، يُقَالُ: هَذِهِ أُمَّةُ زَيْدٍ، يَعْنِي أُمَّ زَيْدٍ. (لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ) يَعْنِي الْعَذَابَ، وَقَالُوا هَذَا إِمَّا تَكْذِيبًا لِلْعَذَابِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمْ، أَوِ اسْتِعْجَالًا وَاسْتِهْزَاءً، أَيْ مَا الَّذِي يَحْبِسُهُ عَنَّا. (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) قِيلَ: هُوَ قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَقَتْلُ جِبْرِيلَ الْمُسْتَهْزِئِينَ عَلَى مَا يَأْتِي «6». (وَحاقَ بِهِمْ) أَيْ نَزَلَ وَأَحَاطَ. (مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أَيْ جَزَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، وَالْمُضَافُ محذوف.

[سورة هود (11): الآيات 9 الى 11]

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) الْإِنْسَانُ اسْمٌ شَائِعٌ «7» لِلْجِنْسِ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْإِنْسَانَ هُنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَفِيهِ نَزَلَتْ. وَقِيلَ: فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015