تفسير القرطبي (صفحة 3346)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) أَيْ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ تَأْوِي إِلَيْهِ. (وَمُسْتَوْدَعَها) أَيِ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ فَتُدْفَنُ، قَالَهُ مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:" مُسْتَقَرَّها" أَيَّامُ حَيَاتِهَا." وَمُسْتَوْدَعَها" حَيْثُ تَمُوتُ وَحَيْثُ تُبْعَثُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" مُسْتَقَرَّها" فِي الرَّحِمِ" وَمُسْتَوْدَعَها" فِي الصُّلْبِ. وَقِيلَ:" يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها" فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ." وَمُسْتَوْدَعَها" فِي الْقَبْرِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ:" حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً" [الفرقان: 76] " ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً" «1» [الفرقان: 66]. (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أَيْ فِي اللَّوْحِ المحفوظ.

[سورة هود (11): آية 7]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) تَقَدَّمَ فِي" الْأَعْرَافِ" «2» بَيَانُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) بَيَّنَ أَنَّ خَلْقَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. قَالَ كَعْبٌ: خَلَقَ اللَّهُ يَاقُوتَةً خَضْرَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا بِالْهَيْبَةِ فَصَارَتْ مَاءً يَرْتَعِدُ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ يَرْتَعِدُ الْمَاءُ إِلَى الْآنِ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا، ثُمَّ خَلَقَ الرِّيحَ فَجَعَلَ الْمَاءَ عَلَى مَتْنِهَا، ثُمَّ وَضَعَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ" فقال: على أي شي كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ:" اقْبَلُوا البشرى بابني تَمِيمٍ" قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا [مَرَّتَيْنِ «3»] فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ:" اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلِ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ" قَالُوا: قَبِلْنَا، جِئْنَا لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ «4» قَالَ:" كَانَ الله ولم يكن شي غَيْرَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السموات والأرض وكتب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015